بمنافع حسنة مرضية من سعة الرزق وسعة العيش، فيرزقكم من زينة الدنيا، وينسأ لكم في آجالكم ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾؛ أي: إلى الوقت الذي قضى عليكم فيه الموت، وهو العمر المقدر لكم في علمه المكتوب في نظام الخليقة، وسنن الاجتماع البشري في عباده، ولا يقطعه بعذاب الاستئصال، ولا بفساد العمران ولا ينقصه ما ينقص من أدمن على الشرك والمعاصي.
وهذه (١) سنة مطردة في ذنوب الأمم، وهي فيها أظهر من ذنوب الأفراد، فالمشاهد أن الأمم التي تصر على الظلم والفسوق والعصيان يهلكها الله تعالى في الدنيا بالضعف والشقاق وخراب العمران، حتى تزول منعتها وتتمزق وحدتها.
ومعنى ﴿يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا﴾؛ أي: يعشكم (٢) عيشًا مرضيًّا إلى وقت مقدر عند الله تعالى، وهو آخر أعماركم، فمن أخلص لله في القول والعمل.. عاش في أمنٍ من العذاب وراحةٍ مما يخشاه، ومن اشتغل بمحبة الله.. كان انقطاعه عن الخلق أكمل، وسروره أتم؛ لأنه أمن من زوال محبوبه، ومن كان مشتغلًا بحب غير الله.. كان أبدًا في ألم الخوف من فوات المحبوب. وقرأ الحسن وابن هرمز وزيد بن علي وابن محيصن ﴿يمتعكم﴾ بالتخفيف من أمتع.
﴿وَيُؤْتِ﴾؛ أي: يعط في الدنيا والآخرة ﴿كُلَّ ذِي فَضْلٍ﴾ في الإِسلام والطاعة ﴿فَضْلَهُ﴾؛ أي: ثواب فضله وجزاءه؛ أي: وإن (٣) تجتنبوا الشرك، وتؤمنوا بالله وتستغفروه.. يمتعكم متاعًا حسنًا، تكونون به خير الأمم نعمة وقوة وعزة، ويعط كل ذي فضل من علم وعمل جزاء فضله، أما في الآخرة فهو مطرد دائمًا، وأما في الدنيا فقد يكون ناقصًا مشوبًا بأكدارٍ، ولا يكون مطردًا لقصر أعمار الأفراد.
فإن قلت (٤): قد ورد في الحديث، أن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، وقد يضيق على الرجل في بعض أوقاته حتى لا يجد ما ينفقه على نفسه وعياله، فكيف الجمع بين هذا وبين قوله سبحانه وتعالى: {يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ
(٢) المراح.
(٣) المراغي.
(٤) الخازن.