ومعنى الآية (١): أي إن هؤلاء الكافرين الكارهين لدعوة التوحيد يحنون ظهورهم وينكسون رؤوسهم، كأنهم يحاولون طي صدورهم على بطونهم حين سماع القرآن، ليستخفوا منه، - ﷺ -، حين تلاوته فلا يراهم حين نزول هذه القوارع على رؤوسهم. روى ابن جرير وغيره أن ابن شداد، قال: كان أحدهم إذا مر بالنبي، - ﷺ -، ثنى صدره كيلا يراه أحد.
وجملة ﴿يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ مستأنفة لبيان أنه لا فائدة لهم في الاستخفاء؛ لأن الله تعالى يعلم ما يسرونه في قلوبهم، أو في ذات بينهم وما يظهرونه بأفواههم، فالظاهر والباطن عنده سواء، والسر والجهر سيان. وجملة ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ تعليل لما قبلها وذات الصدور هي الضمائر التي تشتمل عليها الصدور. وقيل: هي القلوب، والمعنى: إنه عليم بجميع الضمائر، أو عليم بالقلوب وأحوالها في الإظهار والإسرار، فلا يخفى عليه شيء من ذلك. والأوضح كما مر، أن يكون الظرف متعلقًا بـ ﴿يَعْلَمُ﴾؛ أي (٢): إن ثني صدورهم وتنكيس رؤوسهم، ليستخفوا من الداعي لهم إلى توحيد ربهم، لا يغني عنهم شيئًا، فإن ربهم يعلم ما يسرون ليلًا، حين يستغشون ثيابهم فيغطون بها جميع أبدانهم، ثم ما يلعنون نهارًا، إنه سبحانه وتعالى عليم بأسرار الصدور وخواطر القلوب، فاحذروا أن يطلع عليكم ربكم وأنتم مضمرون في صدوركم الشك في شيء من توحيده أو أمره أو نهيه.
وقرأ الجمهور (٣): ﴿يَثْنوُنَ﴾ بفتح الياء وضم النون، من ثنى يثني من باب رمى. وقرأ سعيد بن جبير: ﴿يثنون﴾ بضم الياء، مضارع أثنى الرباعي ﴿صُدُورَهُم﴾ بالنصب ولا يعرف في اللغة إلا أن يقال معناه: عرضوها للإثناء، كما تقول: أبعت الفرس إذا عرضته للبيع. وقرأ ابن عباس وعلي بن الحسين وابناه، زيد ومحمد، وابنه جعفر ومجاهد وابن يعمر ونصر بن عاصم وعبد الرحمن بن أبزى والجحدري وابن أبي إسحاق وأبو الأسود الدؤلي وأبو رزين والضحاك؛

(١) المراغي.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط والعكبري.


الصفحة التالية
Icon