والقراءتان مأخوذتان من معنى هذا الفعل، فإنه يقال: سَرَى. ومنه: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (٤)﴾ وأسرى. ومنه: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾. وهل هما بمعنى واحد؛ أو بينهما فرق؟ خلاف مشهور. فقيل: هما بمعنى واحد، وهو قول أبي عبيد. وقيل: بل (أسرى) لأول الليل، وسَرَى لآخره، وهو قول الليث. وأمَّا سار فمختص بالنهار، وليس مقلوبًا مِنْ سرى، اهـ "سمين".
﴿وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ﴾؛ أي: لا تلتفت أنت، ولا تترك إحدى بِنْتَيْكَ، تلتفت؛ لئلا يَرَى عظيمَ ما يَنْزِلُ بهم فيحصل له كرب ربما لا يطيقه. وفي "المراح": وإنما نُهوا عن الالتفات (١) ليسرعوا في السير، فإنَّ مَنْ يَلْتَفِتُ إلى ما وراءه لا يخلو عن أدنى وَقْفَةٍ. وقوله: ﴿إِلَّا امْرَأَتَكَ﴾ قرأه ابن كثير، وأبو عمرو بالرفع؛ أي: لا يتأخر منكم أحدُ إلا امرأتك واعلة المنافقةُ. وعلى هذه القراءة يقتضي كونَ لوطٍ مأمورًا بالإسراء بها، وقرأ الباقون بالنصب، والمعنى: ولا ينظر أحد إلى وراءه منك، ومن أهلك إلا امرأتك. وهذه القراءة تقتضي كونَ لوط غير مأمور بالإسراء بها.
أي (٢): ولا ينظر أحدٌ إلى ما وراءه ليجدوا في السَّيْرِ، أو لئلا يروا ما ينزل بقومهم من العذاب، فيرقوا لهم. وجاء في سورة الحجر: ﴿وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ﴾، ﴿إِلَّا امْرَأَتَكَ﴾ فقد كان ضَلَعُها مع القوم، وكانت كافرةً خائِنةً. ﴿إِنَّهُ﴾؛ أي: إنَّ الشأن ﴿مُصِيبُهَا﴾؛ أي: امرأتك ﴿مَا أَصَابَهُمْ﴾ من العذاب؛ أي: إنه مصيبها ذلك العذاب الذي أصابهم، ومقضي عليها بذلك فهو واقع لا بُدَّ منه.
يعني (٣): وَقَعَتْ أهل بيتِ نُبُوَّتِه في الضلالة فهَلَكَتْ، فإنها مع تشرفها بالإضافة إلى بيت النبوة لِمَّا اتَّصَلَتْ بأهل الضلالة صارت ضالَّةً، وأدَّى ضلالها،
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.