عاليًا بالنزوع عن تلك الغواية، ويَرُدُّ أَمْرَ المجتمع، والحرص على آدابه إلى ما قرَّرهُ الدينُ، وسار عليه سَلَفُ المسلمين المتقين، فيصلح أَمْرَهُ، وتزهو الفضيلة وتنشأ نابتة جديدة، تقوم على حِرَاسَةِ الدين في بلاد المسلمين، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
سورة يوسف عليه السلام مَكّية كلها، قيل (١): إلَّا ثَلاثَ آيات من أولها، وقيل: نزلت ما بين مكة والمدينة، وقْتَ الهجرة.
وهي مئة وإحدى عشرة آيةً وألف وتسع مئة وست وتسعون كلمةً، وسبعة آلاف، ومئة وستة وسبعون حرفًا.
المناسبة: والمناسبة بينها وبين سورة هود (٢): أنها متممة لِما فيها مِنْ قصص الرسل عليهم السلام، والاستدلال بذلك على كون القرآن وحيًا من عند الله تعالى، دالًّا على رسالة محمَّد - ﷺ -، خاتم النبيين، والفرق بين القصص فيها وفيما قبلَها: أنَّ السَّابِقَ كَانَ قصص الرسل مع أقوامهم في تبليغ الدعوةَ والمحاجة فيها، وعاقبة مَن آمن مِنهُم، ومن كَذَّبوهم لإنذار مشركي مكة، ومَنْ تبعهم من العرب.
وأمَّا هذه السورة فهي قصة نبيٍّ رُبِّيَ في غير قومه قبل النبوة، وهو صغير السنِّ حتى بلغ أشده، واكْتَهَل فنبىء، وأُرسل ودعا إلى دينه، ثم تولى إدارة الملك لقطر عظيم، فأحسنَ الإدارَةَ والسِّياسَةَ فيه، وكان خير قدوةٍ للناس في رسالته، وفي جميع ما دخل فيه من أطوار الحياة، وتصريف أمورها على أحسن ما يَصِلُ إليه العقل البشري، ومن أعظم ذلك شأنه مع أبيه وإخوته آل بيت النبوة، وكانَ مِنْ حكمة الله أن يَجْمَعها في سورة واحدة، ومن ثَمَّ كَانَتْ أطْوَلَ قِصَّةٍ في القرآن الكريم.
والله أعلم
* * *
(٢) المراغي.