وقيل: كانت أحسنَ القصص؛ لأنَّ كُلَّ من ذكر فيها كان مآله إلى السعادة، انظر إلى يوسف، وأبيه، وإخوته، وامرأة العزيز، والمَلِك أسلم بِيُوسُفَ وحسن إسلامه، ومعبر الرؤيا الساقي، والشاهد فيما يقال. وقال بعضهم (١): لأنَّ يوسفَ عليه السلام، كان أحسنَ أبناءِ بني إسرائيل، ونسبه أحسن الأنساب، كما قال - ﷺ -: "إنَّ الكريمَ ابنَ الكريمِ ابنِ الكريمِ ابنِ الكريم يوسفُ بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام". والكرم اسم جامع لكل ما يحمد به، واجتمع في يوسف مع كونه ابنَ ثلاثة أنبياء متراسلينَ شرف النبوة، وحسن الصورة، وعلم الرؤيا، ورياسةَ الدنيا، وحِياطةَ الرَّعايا في القحط، والبلايا، فأي رجل أكَرمَ مِنْ هذا. وقال بعضهم: لأنَّ دُعاءه كان أحْسنَ الأدعية ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾، وهو أول من تمنى لقاء الله تعالى بالموت.
وقيل (٢): ﴿أحسَنَ﴾ هنا ليست أفعلَ التفضيل بل هي بمعنى حَسَنَ كأنه قيل: حَسَنَ القصص من باب إضافة الصفة إلى الموصوف؛ أي: القصص الحسن ومعنى: ﴿لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾ لم يكن لك شعور بهذه القصة، ولا سبق لك علم فيها، ولا طَرَق سَمْعَكَ طرف منها. وقيل: إن بمعنى قَدْ، والمعنى، قد كنْتَ مِنْ قبلِ وحينا إليك من الغافلين عن هذه القصة. والغفلة عن الشيء هي: أن لا يخطر ذلك ببالِهِ؛ أي: لمن الغافلين عن هذه القصة، لم تُخْطُر ببالك، ولم تَقْرَع سمعك قطُّ، وهو تعليل لِكَوْنِهِ موحًى، والتَّعْبِيرُ عن عدم العِلْم بالغفلةِ لإجلالِ شأنه - ﷺ - كما في "الإرشاد" فليسَتْ هي الغفلة المتعارفَةُ بين الناس، ولله تعالى أَنْ يُخَاطِب حَبيبَه بما شاء ألاَ تَرى إلى قوله: ﴿مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ﴾، وقوله: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا﴾ ونحوهما، فإنَّ مثلَ هذا التعبير إنما هو بالنسبة إلى الله تعالى، وقد تعارَفَهُ العربُ من غير أن يخطر ببالهم نقص، ويجب علينا حسن الأداء في مثل هذا المقام، رعاية للأدب في التعبير، وتقرير الكلام مع أنَّ الزمانَ وأَهْلَه قد مضى، وانقضَتِ الأيام والأنامُ، اللهم اجعلني فيمن هديتهم إلى لطائف البيان،

(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon