قوله: ﴿رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾؛ أي: رأيت هؤلاء المذكورين سجَّدًا لي في المنام، جملةٌ مستأنفة لبيان الحالة التي رآهم عليها. كأنَّ سَائِلًا قال: كيف رأيتَ؟ وأجريت مُجْرى العقلاء في الضمير المختص بهم لوصفها بوصفِ العقلاء، وهو كونُها ساجدةً كذا قال الخليلُ، وسيبويه، والعربُ تَجْمَع ما لا يعقل جَمْعَ مَنْ يعقل، إذا نزلوه مَنْزِلَتَهُ. قال في "الكواشي": الرؤيا في المنام، والرؤية في العين، والرأي في القلب. قال وَهْبٌ: رأى يُوسُفُ عليه السلام، وهو ابن سبع سنينَ أنَّ إحدَى عَشَرَةَ عصًا طِوالًا، كانت مركوزة في الأرض كهيئة الدائرة، وإذا عَصًا صغيرة وثَبَتْ عليها حتى ابْتَلَعَتْها، فذكر ذلك لأبيه، فقال: إياك أن تذكر هذا لإخوتك، ثُمّ رَأَى وهو ابن ثنتي عشرة، أو سبع عشرة سنةً ليلة الجمعةِ، الشمسَ والقمرَ، والكواكبَ، تسجد له، فقصها على أبيه فقال: لا تَذْكُرْها لهم فيبغوا لك الغَوَائِلَ.
رُوِيَ عن جابر رضي الله عنه: أنَّ يهودِيًّا جاء إلى رسول الله - ﷺ - فقال: يا محمَّد! أخبرني عن النجوم التي رآهن يوسفُ عليه السلام، فسَكَتَ النبيُّ - ﷺ -، فَنَزَلَ جِبْرِيل عليه السلام، فأخْبَرَهُ بذلك، فقال - ﷺ - لليهوديّ إذَا أخبرتك بذلك هل تُسْلِمُ؟ فقال: نعم. قال: جريانُ (١) والطارقُ، والذَيَّالُ وقابسُ، وعَمُودان، والفَلِيقُ، والمُصبِّحُ، والضَّرُوخُ، والفَرْغُ، ووثَّابُ، وذو الكَتِفَيْنِ رآها يوسفُ عليه السلام، والشمسَ والقمرَ، نزَلْنَ من السماء، وسَجَدْنَ له، فقال اليهوديُّ: إي والله إنها لأسمَاؤها، اهـ "بيضاوي".
(جَريان) بفتح الجيم وكسر الراء المهملة، وتشديد الياء التحتية منقول من اسم (طوق القميص). (وقابس) بقاف، وموحدة وسين مقتبسُ النار (وعمودان) تثنية عمود (والفليق) نجم منفرد (والمصبح) ما يَطْلَعُ قبل الفجر، (والفرغ) بفاء وراء مهملة ساكنة، وغين معجمة، نجمٌ عند الدلو، و (وثاب) بتشديد المثلثة، سريعُ الحركة، و (ذُو الكتفين) تثنية كتف: نجم كبير، وهذه نجومٌ غير مرصودة،