قال في "الإرشاد": ولا يَبْعُدْ أن يكونَ تأخيرُ الشمس والقمر إشارة إلى تأخُّرِ ملاقاتِه لهما عن ملاقاته لإخوته، ذَكَرَ هذه القصةَ صاحبُ "روح البيان".
فائدة: والرؤيا ثلاثة أقسام:
أَحدُها: حديث النفس كَمَنْ يكون في أمْرٍ أو حِرْفة يرى نَفْسَهُ في ذلك الأمر، وكالعاشق يرى مَعْشُوقَه ونحو ذلك.
وثانيها: تخويف الشيطان بأن يَلْعَبَ بالإنسان فيريه ما يحزِنه، ومَنْ لعبه به الاحتلامُ الموجبُ للغسل، وهذان لا تأويلَ لهما.
وثالثهما: بشرى من الله تعالى بأن يَأتِيَك ملك الرؤيا من نسخة أم الكتاب يعني من اللوح المحفوظ، وهو الصحيحُ، وما سوى ذلك أضغاثُ أحلام.
٥ - ﴿قَالَ﴾ يعقوب ليوسف في السرِّ، وهذا كلام مستأنف مبنيُّ على سؤالِ مَنْ قال: فماذا قال يعقوبُ بعد سماع هذه الرؤيا العجيبة؟ فقيل: قال يعقوب: ﴿يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ﴾ تصغيرُ ابن صغره للشفقة والمحبَّة وصِغر السن، فإنه كان ابن ثنتي عشرة سنة كما مَرَّ. وأصله يا بُنَيَّا الذي أصله: "يا بُنَيّي" فأُبدلت ياء الإضافةِ ألِفًا، كما قيل في يا غلامي، يا غلاما بناء على أنَّ الألِفَ، والفتحةَ أخفُّ من الياء والكسرة. وقرأ حفصٌ هنا، وفي لقمان، وفي الصافات: ﴿يَا بَنِي﴾ بفتح الياء. وابن كثير في لقمان: (يا بني لا تشرك). وقيل: (يا بني أقم) بإسكانها. وباقي السبعة بالكسر. وقرأ زيد بن علي: (لا تَقُصُّ) مدغمًا وهي لغة تميم، والجمهور بالفك، وهي لغةُ الحجاز. وقرأ الجمهور: ﴿رُؤْيَاكَ﴾ والرؤيا حيثُ وقعت بالهمز من غير إمالة. وقرأ الكسائي بالإمالة، وبغير الهمز، وهي لغة أهل الحجاز ذكره أبو حيان في "البحر".
قال في "الإرشاد": ولمَّا عرف يعقوبُ من هذه الرؤيا، أنَّ يوسف يبلِّغه تعالى مَبْلَغًا جَلِيلًا من الحكمة، ويَصْطَفِيهِ للنبوّة، وينعم عليه بشرف الدارين، كما فَعَلَ بآبائه الكرام.. خَافَ عليه حسدَ الإخوة وبغيَهم فقال صيانة لهم من ذلك وله