وَالذِّئْبُ أَخْشَاهُ إِنْ مَرَرْتُ بِهِ وَحْدِيْ وَأَخْشَىُ الرِّيَاحَ وَالْمَطَرَا
وكأنَّ يعقوبَ بقوله: ﴿وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ﴾ لقنهم ما يقولونَ من العذر إذا جاؤُوا، وليس معهم يوسف فلقنوا ذلك، وجعلوه عُدَّةً للجواب. وقرأ زيد بن علي: ﴿تَذْهَبُوا بِهِ﴾ من أذهبَ الرباعي وخرِّج على زيادة باء به كما خرَّج بعضهم ﴿تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ﴾ في قراءة مَنْ ضَمَّ التاء وكَسر الباءِ؛ أي: تنبت الدهنَ وتذهبوه. وقرأ الجمهور: ﴿الذِّئْبُ﴾ بالهمز، وهي لغة الحجاز. وقرأ الكسائي وورش، وحمزة إذا وَقف بغير همز. وقَالَ نصرُ: سمعت أبا عَمرو لا يُهْمِزُ.
١٤ - ﴿قَالُوا﴾؛ أي: قال إخوة يوسف لأبيهم، والله ﴿لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ﴾؛ أي: لئن أكَلَ يوسفَ الذئب، واختَطَفَهُ من بيننا في الصحراء ﴿وَنَحْنُ عُصْبَةٌ﴾؛ أي: والحال إنَّا جماعة شديدةُ البأس، عشرة رجال تُكْفى بنا الخطوب، وتُدْفَع بنا مهمات الأمور ﴿إِنَّا إِذًا﴾؛ أي: إذ عَجَزْنَا عن حفظ أخينا ﴿لَخَاسِرُونَ﴾؛ أي: لهالكون (١) ضَعْفًا، وخورًا، وعجزًا، ولا غناءَ عندنا، ولا نَفْعَ ولا ينبغي أن يعتدَّ بِنَا، ويُرْكَنَ إلينا. وفي "الكواشي": مغبونون بترك حرمة الوالد، والأخ، وإنما اقتصروا على جواب خوفه على يوسف من أكل الذئب، ولم يجيبوا عن الاعتذار الأول الذي هو الحُزْنُ لأنه السبب القوي في المنع دونَ الحُزْنِ لِقِصَرِ مدَّته، بناء على أنهم يأتون به عن قَرِيبٍ.
وعن بعض الصحابة رضي الله عنهم أنه قال: لا ينبغي للرجل أن يلقن الخصم الحجةَ؛ لأنَّ إخوةَ يُوسُفَ كَانُوا لا يعلمونَ أنَّ الذِّئْبَ يأكل الناسَ، إلى أن قالَ ذلك يعقوب، ولقنهم العلة في كيد يوسف. وفي الحديث: "البلاء مُوكَّلٌ بالمنطق، ما قال عبد لشيءٍ والله لا أفعله، إلَّا تَرَك للشيطان كل شيء فَولِعَ حتى يُوشِمَه". يُحْكَى أنَّ ابنَ السِّكِّيت من أئمة اللغة جَلَس مع المتوكل يومًا فجاء المعتزُّ والمؤيد ابنا المتوكل، فقال: أيهما أحبُّ إليك ابناي أم الحَسَنُ والحُسَيْنُ؟ قال: والله إنَّ قنبر خَادِمَ عليٍّ رضي الله عنه خَيرٌ منك، ومن ابنَيْك، فقال: سلوا
(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon