والكواكبَ تخلصكَ، وتؤنِسُك. فقال: إني لم أرَ شيئًا، فألقوه فيها، ثُمَّ قال: يا إخوتاه أتدعوني فيها فريدًا وحيدًا. وقيل: جعلوه في دلو ثمَّ أرسلوه فيها. فلمَّا بَلَغَ نصفَها ألقوه إرادةَ أن يموت، وكان في البئر ماءٌ فسَقَطَ فيه، ثم آوى إلى صخرة كانت في البئر، فقام عليها. وقيل: نزل عليه مَلَكٌ فحَلَّ يديه، وأَخْرَج له صخرةً من البئر فأجلسه عليها. وقيل: إنهم لما ألقوه في الجبِّ جَعَل يبكي فَنَادَوْهُ، فظن أنَّها رحمة أدركتهم، فأجابهم، فأرادوا أن يرضخوه بصخرة ليقتلوه فمَنَعهم يهوذا من ذلك، وقيل: إنَّ يعقوبَ لما بعثه مع إخوته أَخْرَجَ له قميص إبراهيم، الذي كساه الله إياه من الجنة، حين أُلقِيَ في النار، فجعله يعقوب في قصبة فضةٍ، وجعَلَها في عنق يوسف، فألبسه الملك إياه حينَ ألقِي في الجُبِّ فأضاءَ له الجُبَّ. وقال الحَسنُ: لمَّا ألقِيَ يُوسَفُ في الجب عذبَ ماؤُه، فكان يكفيه عن الطعام والشراب، ودَخَلَ عليه جبريل فأَنِسَ بِهِ. فلمَّا أمسى نهض جبريلُ ليذهب، فقال له: إذا خَرَجْتَ استَوْحَشْتُ. فقال له: إذا رهبتَ شيئًا فقل: يا صريخ المستصرخِين، ويا غَوثَ المستغيثين، ويا مفرِّج كرب المكروبين، قد ترى مكاني، وتعلم حالي، ولا يخفى عليك شيءٌ من أمري. فلما قالها يوسف حفَّته الملائكة، واستأنس في الجُبِّ.
وقال محمَّد بن مسلم الطائِفيّ: لما ألقي يوسف في الجُب قال: يا شاهدًا غَيْرَ غائب، ويا قريبًا غير بعيد، ويا غالِبًا غير مغلوب، اجعل لي فرجًا مما أنا فيه، فما بات فيه. وقيل: مكث في الجبِّ ثلاثَةَ أيَّامٍ، وكان إخْوَتُه يَرْعَوْنَ حَوْلَهُ، وكان يهوذا يأتيه بالطعام. وقيل (١): عَلَّم جبريلُ يوسفَ هذا الدعاء، أي في البئر: "اللهم يا كاشفَ كل كربة، ويا مجيبَ كل دعوة، ويا جابرَ كل كسير، ويا ميسرَ كل عسير، ويا صاحِبَ كل غريب، ويا مؤنس كل وحيد، يا من لا إلَه إلا أنت سبحانَكَ، أسألك أن تجعل لي فرجًا ومخرجًا، وأن تَقْذِفَ حُبَّكَ في قلبي حتى لا يكون لي هم ولا ذكر غيرك، وأن تَحْفَظني وترحمني يا أرحم الراحمين".