مضي زمان يعتاد فيه التفقدُ والتعهدُ؛ لأنَّ الفاءَ للتعقيب، وقد اعتذروا إليه بما خَافَه سابقًا عليه، ورُبَّ كلمة تقول لصاحبها دَعْنِي ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا﴾؛ أي: بِمُصَدِّقٍ لنا في هذا العذر الذي أبدينا، والمقالة التي قُلْنَاها ﴿وَلَوْ كُنَّا﴾ عندك أو في الواقع ﴿صَادِقِينَ﴾؛ أي موصوفين بالصدق، والثقة لِمَا قَدْ عَلِقَ بقلبك من التهمة لنا في ذلك مع شدة محبتك له. قال الزجاج: والمعنى: ولو كنَّا عندك من أهل الصدق، والثقة ما صدَّقتنا في هذه القضية لشدة محبتك ليوسف، وكذا ذكره ابن جرير.
فائدة: والفرق (١) بين الصدق والتصديق: والكذب والتكذيب: أنَّ الصدق: هو الإخبارُ عن الشيء على ما هو به. والكذب: الإخبارُ عنه على خلاف ما هو به. والتصديق باللسان: الإخبارُ بكون القائل صادقًا، وبالقلب: الإذعان والقبولُ لذلك. والتكذيب بخلاف ذلك.
والمعنى (٢): أي جَاؤُوه وقت العشاء حين خَالَطَ سوادُ الليل بياضَ النهار، حالَ كونهم يبكون لِيُقْنِعُوه بما يريدون، قائلين له: إنا ذهَبْنا من موضع اجتماعنا نَتَسَابَقُ، ونَتَرامَى بالنِّبَال، وتركنا يُوسُفَ عند ثِيَابنَا، وأزوادنا لِيَحْفَظَها، إذ لا يستطيع مجاراتِنَا في استباقنا الذي يرهقُ القوِيَّ، فَأكَلَه الذّئبُ إذ بَعُدْنَا عنه، ولم نسمع استغاثته، ولا صُراخَهُ ونحن نعلم أنك لا تُصدِّقُنَا، ولو كُنَّا عندك صادقين، فكيفَ وأنت تتهمنا في ذلك، ولك العذر في هذا لغرابة ما وقَعَ، وعجيب ما اتَّفَقَ لنا في ذلك الأمر. وقوله: ﴿عِشَاءً﴾ نصب على الظرف، أو من (٣) العشوة، والعَشْوَةُ: الظلام، فجُمِعَ على فعال مثل رَاع ورُعاء، ويَكون انتصابه على الحال كقراءة الحسن: ﴿عُشى﴾ على وزن دجى جمع عاش حَذف منه الهاء، كما حذفت في مالك وأصلُه مالكة. وعن الحسن: (عشيًّا) بالتصغير لعشي أي آخر النهار.

(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon