الجب، وهي أرض دوثن بَيْنَ مدين ومصر، فنزَلُوا عليه ﴿فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ﴾؛ أي: بعثوا سَاقِيَهم ليطلب لهم الماء، وهو مَنْ يُهيِّىء الأرشية، والدِّلاءَ، فيتقدم الرفقة إلى الماء، يقال له: مالك بن ذعر الخزاعي ابن أخي شعيب عليه السلام، وهو رجلٌ من العرب العاربة من أهل مدين، ﴿فَأَدْلَى دَلْوَهُ﴾؛ أي: فأرْخَى، وأنزل دلوه في جب يوسف ليأخذ الماء فتعلق يوسف به، فلم يقدر الساقي على نزعه وإخراجه من البئر فنَظَرَ فيه فرأى غُلامًا قد تعلق بالدلو، فنادى أصْحَابَهُ فـ ﴿قَالَ يَا بُشْرَى﴾؛ أي: يا أصحابي. وقال الأعشى: إنه دعا امرأةً اسمها بشرى. وقال السديُّ: إنه نادى صاحبَهُ، واسمه بشرى كما قرأه. وعاصم والكسائي بغير ياء المتكلم بعد الألف المقصورة. وقال أبو علي الفارسي: والوجه أن يجعل البشرى اسمًا للبشارة، فنادى ذلك بشارةً لنفسه، كأنه يقول: يا أيتها البشرى هذا الوقت، وقتك، ولو كنت مِمَّنْ يخاطب لخوطبت الآنَ، ولأُمِرْتِ بالحضور، ويدلُّ على هذا قراءة الباقين، ﴿يا بشرايَ﴾ بفتح ياء المتكلم بعد الألف على الإضافة. قالوا: ما ذلك يا مالك؟ قال: ﴿هَذَا غُلَامٌ﴾ أحسن ما يكون من الغلمان، فكَانَ يوسُفُ حَسَنَ الوجه، جَعْدَ الشَّعْرِ، ضخم العَيْنَين، مُسْتَوي الخلق، أبيض اللون، غَليظ الساعدين، والعضدين، والساقين، خَميص البطن، صغير السرة، وكان إذا تبسَّم ظهر النور من ضواحكه، وإذا تكلم ظهر من ثناياه شعاع النور، ولا يستطيع أحد وَصْفَه. وكان حسنه كضوء النهار عند الليل، وكان يُشْبِهُ آدم عليه السلام يَوْم خَلَقه الله تعالى قبل أن يصيب الخطيئةَ، اهـ خازن.
فاجتمعوا عليه فأخرجوه من الجب بعد مكثه فيها ثَلاثَةَ أيام ﴿وَأَسَرُّوهُ﴾؛ أي: أسَرُوا يُوسُفَ وأخفوه حَالةَ كونه ﴿بِضَاعَةً﴾؛ أي: مَتَاعًا للتجارة؛ أي: كَتَم الواردُ وأصحابه شأنَ يوسف من بقية القوم الذين معهم، وقالوا: إنه بضاعة استبضعناه، وحملناه لبعض أهل المال إلى مصر، وإنما قالوا ذلك خِيفَة أن يطلبوا منهم الشركة فيه، وذلك لأن الواردَ وأصحابَه قالوا: إن قلنا للسيارة التقطناه من الجُبِّ شاركونا فيه قَهْرًا. وإن قلنا: اشتريناه سألونا الشركة فالأصوبُ أن نقول: إن أهل الماء جعلوه بِضَاعَةً عندنا على أن نبيعه لهم بمصر. وقيل: إن إخْوَةَ يُوسُفَ أَسَرّوا شأن يوسُفَ، يعني أنهم أخفوا أمر يوسف، وكونه أخًا لهم بل