يرى من فوق العرش إلى ما تحت الثرى، فتكون الألف واللام مختصرتين من أنا الله الدالين على الذات، والميم والراء من أعلم وأرى الدالين على الصفة. وفي "التبيان" الألف: الله، واللام: جبريل، والميم: محمَّد، والراء: الرسل؛ أي: أنا الله الذي أرسل جبريل إلى محمَّد بالقرآن، وإلى الرسل بغيره من الكتب الإلهية والصحف الربانية.
﴿تِلْكَ﴾؛ أي: هذه الآيات المشتملة عليها هذه السورة ﴿آيَاتُ الْكِتَابِ﴾؛ أي: آيات من الكتاب العزيز والقرآن الكريم البالغ حدّ الكمال المستغني عن الوصف من بين الكتب السماوية، الجدير بأن يختص باسم الكتاب، وأشار إليها بإشارة البعيد تنزيلًا للبعد الرتبي منزلة البعد الحسي. وقوله: ﴿وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ مبتدأ خبره ﴿الْحَقُّ﴾؛ أي: وكل القرآن الذي أنزله إليك ربك حق لا شك فيه، وهذا كالإجمال بعد التفصيل لما تقدم من وصف السورة بالكمال، فكأنه سبحانه وتعالى بعد أن أثبت لهذه السورة الرفعة والكمال عمم هذا الحكم، فأثبته للقرآن جميعه، فلا تختص به سورة دون أخرى.
وهذا الأسلوب جارٍ على سنن العرب في تخاطبهم (١)، فقد قالت فاطمة الأنمارية، وقد سئلت عن بنيها، أي بنيك أفضل؟ ربيعة بل عمارة بل قيس بل أنس، ثكلتهم إن كنت أعلم أيهم أفضل، هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها، فبعد أن أثبتت الفضل لكل منهم على سبيل التعيين.. أجملت القول، وأثبتت لهم الفضل جميعًا.
﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ بالقرآن، ويجحدون (٢) بحقيقته لإفراطهم في العناد، وخروجهم عن طريق السداد، وعدم تفكرهم في معانيه، وإحاطتهم بما فيه، وكفرهم به لا ينافي كونه حقًّا منزَّلًا من عند الله تعالى، فإن الشمس شمس، وإن لم يرها الضرير، والشهدُ شهدٌ وإن لم يجد طعمه المرور، والتربية إنما تفيد
(٢) روح البيان.