من العجائب، وأحوال الشمس والقمر وسائر النجوم، وهذا قد تقدم ذكره.
والقسم الثاني: الموجودات الحادثة في العالم، وهي الموت بعد الحياة، والفقر بعد الغنى، والضعف بعد القوة إلى غير ذلك من أحوال هذا العالم، وكل ذلك مما يدل على وجود الصانع وكمال قدرته.
ثم أبان سبحانه وتعالى أن هذا التدبير للأمور والتفصيل للآيات الدالين على القدرة الكاملة، والحكمة الشاملة جاء لحكمة اقتضتهما: وهي الإيقان بالبعث لفصل القضاء، ومجازاة كل عامل بما عمل ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ فإما نعيم مقيم، وإما عذاب أليم، وإلى ذلك أشار بقوله: ﴿لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ﴾؛ أي: يبين (١) الله سبحانه وتعالى الآيات الدالة على وحدانيته وكمال قدرته؛ لكي توقنوا وتصدقوا بلقائه والمصير إليه بعد الموت؛ لأن من قدر على إيجاد الإنسان من العدم قادر على إيجاده وإحيائه بعد موته، واليقين صفة من صفات العلم، وهو فوق المعرفة والدراية، وهو سكون الفهم مع ثبات الحكم وزوال الشك، يقال منه: استيقن وأيقن بمعنى: علم؛ أي (٢): لعلكم عند مشاهدة هذه الآيات توقنون بذلك لا تشكون فيه ولا تمترون في صدقه. قال في "بحر العلوم": ﴿لعل﴾ (٣) مستعار لمعنى الإرادة لتلاحظ معناها ومعنى الترجي، والمعنى عليه؛ أي: يفصل الآيات إرادة أن تتأملوا وتنظروا فيها، فتستدلوا بها عليه وعلى وحدته وقدرته وحكمته، وتتيقنوا أن من قدر على خلق السموات والأرض والعرش، وتسخير الشمس والقمر مع عظمها، وتدبير الأمور كلها.. كان على خلق الإنسان مع مهانته، وعلى إعادته وجزائه أقدر.
وخلاصة هذه العبرة (٤): أنه تعالى كما قدر على إبقاء الأجرام الفلكية العظيمة من الشمس والقمر وسائر الكواكب في الجوّ بلا عمد، ودبر الأمور بغاية الإحكام والدقة، ولم يشغله شأن عن شأن.. ليس بالبعيد عليه أن يرد الأرواح
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.
(٤) المراغي.