قوله: ﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾؛ أي: وتقيكم البرد قيل: والمتجاورات المدن وما كان عامرًا، وغير المتجاورات الصحارى وما كان غير عامر. ﴿وَجَنَّاتٌ﴾. قرأ الجمهور بالرفع عطفًا على ﴿قِطَعٌ﴾. وقرأ الحسن شذوذًا بالنصب على إضمار فعل؛ أي: وجعل فيها جنات. وقيل: عطفًا على ﴿رَوَاسِيَ﴾؛ أي: وفي الأرض بساتين ﴿مِنْ أَعْنَابٍ﴾؛ أي: من أشجار الكرم جمع عنب. وسمت (١) العرب العنب الكرم؛ لكرم ثمرته وجودتها وكثرة حمله وتذلُّله للقطف ليس بذي شوك ولا بشاق المصعد، ويؤكل غضًّا ويابسًا. وأصل الكرم: الكثرة، والجمع للخير، وبه سمي الرجل كرمًا لكثرة خصال الخير فيه.
واعلم: أن (٢) قلب المؤمن لما فيه من نور الإيمان أولى بهذا الاسم، ولذا قال عليه السلام: "لا يقولن أحدكم الكرم، فإن الكرم قلب المؤمن". قال ابن الملك: سبب النهي: أن العرب كانوا يسمون العنب وشجرته كرمًا؛ لأن الخمر المتخذة منه تحمل شاربها على الكرم، فكره النبي - ﷺ - هذه التسمية؛ لئلا يتذاكروا به الخمر، ويدعوهم حسن الاسم إلى شربها، وجعل المؤمن وقلبه أحق أن يتصف به لطيبه وذكائه، والغرض منه تحريض المؤمن على التقوى، وكونه أهلًا لهذه التسمية. ﴿وَزَرْعٌ﴾ بالرفع عطف على ﴿جَنَّاتٌ﴾ وتوحيده؛ لأنه مصدر في أصله. وذكر سبحانه (٣) الزرع بين الأعناب والنخيل؛ لأنه في الخارج يكون كذلك كثيرًا، ومثله في قوله سبحانه: ﴿جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا﴾؛ أي: وفي الأرض زرع من كل نوع وصنف من الحبوب المختلفة التي تكون غذاء للإنسان والحيوان. ﴿و﴾ فيها ﴿نخيل صنوان﴾ جمع صنو؛ أي: نخيل مجتمعات يجمعها أصل واحد، وتتشعب فروعها منه؛ أي: تثبت من أصلٍ واحد ثلاث نخلات فأكثر؛ أي: مجتمع أصول الأربعة في أصل واحد. قال أبو عبيدة: صنوان جمع صنو، وهو أن يكون الأصل واحدًا، ثم يتفرع فيصير نخيلًا، ثم يحمل عليه، وهذا قول جميع أهل اللغة والتفسير. ﴿و﴾
(٢) روح البيان.
(٣) الشوكاني.