بالحسنى، وحاصلون على السعادة في الدنيا والآخرة، وهم من أشار إليهم بقوله: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ محله النصب على البدلية من قوله: ﴿مَنْ أَنَابَ﴾ أو خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هم الذين آمنوا بالله وبرسوله وبكل ما جاء به ﴿وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ﴾؛ أي: تسكن قلوبهم وتستأنس ﴿بِذِكْرِ اللَّهِ﴾ تعالى؛ أي: هم الذين آمنوا بالله وبرسوله، واطمأنت واستأنست قلوبهم بذكر الله سبحانه بألسنتهم كتلاوة القرآن والتسبيح والتحميد والتكبير والتوحيد، أو بسماع ذلك من غيرهم؛ أي: إذا سمعوا ذكر الله أحبوه واستأنسوا به، فالمؤمنون يستأنسون بالقرآن وذكر الله الذي هو الاسم الأعظم ويحبون استماعها، والكفار يفرحون بالدنيا، ويستبشرون بذكر غير الله تعالى، كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (٤٥)﴾.
وقيل (١): المراد بالذكر هنا الطاعة، وقيل: بوعد الله، وقيل: بذكر رحمته، وقيل: بذكر دلائله الدالة على توحيده. ﴿أَلَا﴾؛ أي: انتبهوا من غفلتكم واعلموا أنه ﴿بِذِكْرِ اللَّهِ﴾ سبحانه وتعالى ﴿تَطْمَئِنُّ﴾. وتستأنس ﴿اَلقُلُوبُ﴾؛ أي: قلوب المؤمنين ويستقر اليقين فيها؛ أي: ألا بذكر الله وحده لا بغيره تطمئن قلوب المؤمنين، ويزول القلق والاضطراب من خشيته بما يفيضه عليها من نور الإيمان الذي يذهب الهلع والوحشة، وهي بمعنى قوله في الآية الأخرى: ﴿ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾.
فإن قلت (٢): أليس قد قال الله تبارك وتعالى في أول سورة الأنفال ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ والوجل استشعار الخوف وحصول الاضطراب، وهو ضد الطمأنينة، فكيف وصفهم بالوجل والطمأنينة، وهل يمكن الجمع بينهما في حال واحدة؟
قلت: إنما يكون الوجل عند ذكر الوعيد والعقاب، والطمأنينة إنما تكون عند ذكر الوعد والثواب، فالقلوب توجل إذا ذكرت عدل الله وشدة حسابه
(٢) الخازن.