ذهاب أثر الكتابة.
﴿وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ أصله: وهو علم الله تعالى، أو اللوح المحفوظ الذي لا يبدل ولا يغير. والأم (١): أصل الشيء، والعرب تسمي كل ما يجري مجرى الأصل للشيء أمًّا له، ومنه أم الرأس للدماغ، وأم القرى لمكة، والعندية عندية علم، والكتاب هو المذكور أولًا بقوله: ﴿لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ﴾ على القاعدة المشهورة عند البلغاء أن النكرة إذا أعيدت معرفة كانت عين الأولى.
﴿وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ﴾ مضارع أرى البصرية تعدى إلى مفعولين بالهمزة، وأكد بالنون الثقيلة.
﴿فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ﴾ والبلاغ: اسم مصدر لبلغ تبليغًا أقيم مقام المصدر، كالأداء مقام التأدية؛ أي: تبليغ الرسالة وأداء الأمانة لا غير.
﴿مِنْ أَطْرَافِهَا﴾ والأطراف: الجوانب. ﴿لَا مُعَقِّبَ﴾ والمعقب: الذي يكر على الشيء فيبطله، ويقال لصاحب الحق: معقب؛ لأنه يقفو غريمه بالاقتضاء والطلب.
﴿وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ والمكر: إرادة المكروه في خفية.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات أنواعًا من البلاغة، وضروبًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الإظهار في مقام الإضمار في قوله: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ﴾؛ لأن حق العبارة، وجعلوا له، فأقيم الظاهر مقام المضمر تقريرًا للألوهية وتصريحًا بها.
ومنها: الاستفهام الإنكاري في قوله: ﴿أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ﴾.
قال الطيبي (٢): في هذه الآية احتجاج بليغ مبني على فنون من علم البيان:

(١) الفتوحات.
(٢) الفتوحات.


الصفحة التالية
Icon