الضمير ﴿عِوَجًا﴾؛ أي: ويطلبون لها زيغًا واعوجاجًا وميلًا عن الحق؛ لموافقة أهوائهم وقضاء حاجاتهم وأغراضهم؛ أي: يقولون لمن يريدون صده وإضلاله: إنها سبيل ناكبة وزائغة غير مستقيمة.
والمعنى: أي (١) ويطلبون لها الزيغ والعوج، وهي أبعد ما تكون من ذلك، ويقولون لمن يريدون صدهم وإضلالهم عن سبيل الله ودينه، إن ذلك الدين ناء عن الصراط المستقيم وزائغ عن الحق واليقين، وإنك لتسمع كثيرًا من الملحدين يقول: إن القوانين الإِسلامية في الحدود والجنايات شديدة غاية الشدة، وإنها تصلح للأمم العربية في البادية، لا للأمم التي أخذت قسطًا عظيمًا من الحضارة ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا﴾.
فتلك شريعة دانت لها أمة غيرت وجه البسيطة (٢)، وملكت ناصية العالم ردحًا من الزمان، وكانت مضرب الأمثال في العدل وترك الجور، وثلت عروش الأكاسرة والقياصرة، وامتلكت بلادهم، وأزالت عزهم وسلطانهم إلى أن غير أهلها معالمها، فأركسهم الله بما كسبوا، فبدل عزهم ذلًّا وسعادتهم شقاء، وتلك سنة الله أن الأرض يرثها عباده الصالحون لاستعمارها. واجتماع هذه الخصال الثلاثة نهاية الضلال، ولهذا وصف ضلالهم بالبعد عن الحق، فقال: ﴿أُولَئِكَ﴾ الموصوفون بالقبائح المذكورة ﴿فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ﴾ عن طريق الحق؛ أي: ضلوا ووقعوا عنه بمراحل، فلا يوجد ضلال أكمل من هذا الضلال.
والبعد في الحقيقة من أحوال الضال (٣)؛ لأنه هو الذي يتباعد عن الطريق، فوصف به فعله مجازًا للمبالغة، وفي جعل الضلال محيطًا بهم إحاطة الظرف بما فيه ما لا يخفى من المبالغة؛ أي: فهم باختيارهم لأنفسهم حيث العاجلة، وصدهم عن الدين وابتغائهم له الزيغ والعوج في ضلال بعيد عن الحق، لا يرجى لهم فلاح، وأنى لهم ذلك وقد كبوا على وجوههم، وزين لهم الفساد والغي،
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.