بالترهيب. وفي خطابه لهم تحقير لشأنهم، وتعظيم لله تعالى، وكذلك في ذكر هاتين الصفتين. وقرأ ابن مسعود: ﴿وإذ قال ربكم﴾ كأنه فسر قوله: تأذن؛ لأنه بمعنى: أذن؛ أي: أعلم، وأعلم يكون بالقول.
٩ - والاستفهام في قوله: ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ للتقرير المضمن للتوبيخ، والخطاب فيه يحتمل أن يكون من موسى لقومه تذكيرًا لم بالقرون الأولى وأخبارهم ومجيء رسل الله إليهم، ويحتمل أنه ابتداء خطاب من الله سبحانه لقوم محمد - ﷺ - تحذيرًا لهم عن مخالفته، والنبأ: الخبر العظيم الشأن. وقوله: ﴿قَوْمِ نُوحٍ﴾ بدل من الموصول، أو عطف بيان منه ﴿وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ﴾ معطوفات على ﴿قَوْمِ نُوحٍ﴾؛ أي: ألم يأتكم يا بني إسرائيل، بل أتاكم أخبار الأمم الذين من قبلكم؛ أي: ألم يأتكم قوم نوح أغرقوا بالطوفان حيث كفروا ولم يشكروا نعم الله، وخبر عاد قوم هود أهلكوا بالريح الصرصر، وخبر ثمود قوم صالح أهلكوا بالصيحة، وخبر الذين من بعدهم؛ أي: من بعد هؤلاء المذكورين من قوم إبراهيم وأصحاب مدين، والمؤتفكات وغير ذلك. وجملة قوله: ﴿لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ﴾ معترضة بين المفسر بفتح السين: وهو ﴿نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ وتفسيره: وهو ﴿جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ﴾، أو حال من ﴿الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ﴾، أو من الضمير المستكن في ﴿مِنْ بَعْدِهِمْ﴾؛ لوقوعه صلة؛ أي: حالة كون تلك الأمم لا يعلم عددهم لكثرتهم، ولا يحيط بذواتهم وصفاتهم وأسمائهم وسائر ما يتعلق بهم إلا الله سبحانه وتعالى، فإنه انقطعت أخبارهم وعفت آثارهم.
وكان مالك بن أنس يكره أن ينسب الإنسان نفسه أبًا أبًا إلى آدم (١)، وكذا في حق النبي عليه السلام؛ لأن أولئك الآباء لا يعلمهم أحد إلا الله، وكان ابن مسعود إذا قرأ هذه الآية قال: كذب النسابون، يعني: أنهم يدعون علم الأنساب، وقد نفى الله علمها عن العباد. وجملة قوله: ﴿جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ﴾ مستأنفة مسوقة لبيان النبأ المذكور في قوله: ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ كأنه (٢) قيل: وما

(١) البحر المحيط.
(٢) روض البيان.
(٣) الفتوحات.


الصفحة التالية
Icon