لهم بما هو خارج عن طور معتادهم، وحينئذ يعظمونه ويبجلونه، وهذه المشاهدات لا نرى فيها شيئًا خارقًا للعادة، وإذًا فلا إيمان ولا تسليم إلا بما هو فوق طاقتنا كقلب العصا حية، ونقل الجبال وما أشبه ذلك.
١١ - وبعد أن حكى عن الكفار شبهاتهم في الطعن في النبوة.. حكى عن الأنبياء جوابهم عنها، فأجابوا عن الأولى والثانية بالتسليم، لكن التماثل لا يمنع من اختصاص بعض البشر بمنصب النبوة؛ لأن هذا منصب يمنُّ الله به على من يشاء من عباده، كما لا يمنع من أن يخص بعض عباده بالتمييز بين الحق والباطل، والصدق والكذب، وأن يحرم الجمع العظيم منه، وهذا ما أشار إليه بقوله: ﴿قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ﴾ زاد (١) لفظ ﴿لَهُمْ﴾ هنا لاختصاص الكلام بهم حيث أريد إلزامهم بخلاف ما سلف من إنكار وقوع الشك في الله، فإن ذلك عام، وإن اختص بهم ما يعقبه؛ أي: قالوا لهم معترفين بالبشرية ومشيرين إلى منة الله عليهم ﴿إِنْ نَحْنُ﴾؛ أي: ما نحن ﴿إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾؛ أي: إلا آدميون مثلكم كما تقولون لا ننكره ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه تعالى ﴿يَمُنُّ﴾؛ أي: يتفضل بالنبوة والوحي ﴿عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ ويصطفي من يشاء منهم لهذا المنصب العظيم الشريف. وفيه (٢) دلالة على أن النبوة عطائية كالسلطنة، لا كسبية كالولاية والوزارة.
وأجابوا عن الشبهة الثالثة بأن ما جئنا به حجة قاطعة وبينة ظاهرة على صدق رسالتنا، وما اقترحتموه من الآيات، فأمره إلى الله إن شاء أظهره، وهو زائد على قدر الكفاية، وذلك ما أومؤوا إليه بقولهم: ﴿وَمَا كَانَ﴾؛ أي: وما صح وما استقام ﴿لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ﴾؛ أي: بحجة من الحجج فضلًا عن السلطان البين، ولا بشيء من الأشياء، ولا سبب من الأسباب ﴿إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ سبحانه وتعالى ومشيئته وإرادته، فإنه أمر يتعلق بمشيئة الله تعالى إن شاء كان، وإلا فلا، تلخيصه إنما نحن عبيد مربوبون، وليس ذلك في قدرتنا.

(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon