البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات أنواعًا من البلاغة، وضروبًا من الفصاحة والبيان والبديع. فمنها: الاستعارة التصريحية في قوله: ﴿لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ حيث استعار الظلمات للكفر والضلال بجامع عدم الاهتداء إلى المقصود، واستعار النور للهدى والإيمان بجامع الاهتداء إلى المقصود. وفي قوله: ﴿عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ حيث استعار السبيل الذي هو محل المرور لدين الله بجامع الاهتداء إلى المقصود.
ومنها: المجاز في قوله: ﴿فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ﴾ حيث وصف الضلال بالبعد للمبالغة؛ لأن البعد من صفات الضال، فهو نظير قولهم جد جده، وداهية دهياء، ويجوز أن يكون المعنى: في ضلال ذي بعد، أو فيه بعد، فإن الضال قد يضل عن الطريق مكانًا قريبًا، وقد يضل بعيدًا، وفي جعل الضلال محيطًا بهم إحاطة الظرف بما فيه ما لا يخفى من المبالغة.
ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ﴾، وفي قوله: ﴿فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾.
ومنها: الطباق بين ﴿يضل﴾ و ﴿يهدي﴾، وبين ﴿شَكَرْتُمْ﴾ و ﴿كَفَرْتُمْ﴾.
ومنها: الالتفات في قوله: ﴿فَيُضِلُّ اللَّهُ﴾؛ لأن فيه التفاتًا عن التكلم إلى الغيبة، فكان حق العبارة: فنضل من نشاء.
ومنها: المجاز المرسل في قوله: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾؛ لأن المراد بأيام الله نعمه، ووجهه أن العرب تتجوز بنسبة الحدث إلى الزمان مجازًا، فتضيفه إليه كقولهم: نهاره صائم، وليله قائم، ومكر الليل.
ومنها: الإضافة للتشريف في قوله: ﴿صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾؛ لأن إضافة الصراط إلى العزيز؛ وهو الله على سبيل التعظيم له، والمراد به دين الإِسلام، فإنه طريق موصل إلى الجنة والقوية والوصلة.