هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١١٧)}.
﴿ذَلِكَ﴾ المذكور الذي (١) دلّ عليه التمثيل دلالة واضحة من ضلالهم؛ أي: كفرهم وأعمالهم المبنية عليه، وعلى التفاخر والرياء مع حسبانهم محسنين، وهو جهل مركب وداء عضال، حيث زين لهم سوء أعمالهم، فلا يستغفرون منها ولا يتوبون بخلاف عصاة المؤمنين، ولذا قال: ﴿هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ﴾ صاحبه عن طريق الحق والصواب بمراحل، أو نيل الثواب، فأسند البعد الذي هو من أحوال الضال إلى الضلال الذي هو فعله مجازًا مبالغة؛ أي: ذلك (٢) السعي والعمل على غير أساس ولا استقامة حتى فقدوا ثوابهم منه أحوج ما كانوا إليه هو الضلال البعيد عن طريق الحق والصواب.
والمعنى: ذلك المذكور من عملهم هو الضياع البعيد عن نيل الثواب والخسران الكبير.
شبه الله سبحانه وتعالى صنائع الكفار (٣) - من الصدقة وصلة الرحم وعتق الرقاب وفك الأسير، وإغاثة الملهوفين وإطعام الجائع وعقر الإبل للأضياف ونحو ذلك مما هو من باب المكارم - في حبوطها وذهابها هباءً منثورًا، لبنائها على غير أساس من معرفة الله والإيمان وكونها لوجهه، برماد طيرته الريح العاصف، فكما لا ينتفع بذلك الرماد المطير، كذلك لا ينتفع بالأعمال المقرونة بالكفر والشرك، ففيه رد أعمال الكفار وأعمال أهل الأهواء والبدع؛ لاعتقادهم السوء، فدل على أنَّ الأعمال مبنية على الإيمان، وهو على الإخلاص، وورد في الصحيح عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: يا رسول الله إن ابن جدعان كان في الجاهلية يصل ويطعم المسكين، هل ذلك نافعه؟ قال: "لا ينفعه؛ لأنه لم يقل: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين".
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.