١٩ - ثم ذكر دليل وحدانيته، فقال: ﴿أَلَمْ تَرَ﴾؛ أي: ألم تعلم يا محمد ﴿أَنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿خَلَقَ﴾ وأنشأ وأبدع ﴿السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ﴾؛ أي (١): متلبسًا بالحكمة البالغة وعلى الوجه الصحيح الذي ينبغي أن يخلقا عليه، لا باطلًا ولا عبثًا، والخطاب فيه لرسول الله - ﷺ -، والمراد: أمته بدليل قوله: ﴿يُذْهِبْكُمْ﴾ والأمة أمة الدعوة، والرؤية رؤية القلب. ﴿إِنْ يَشَأْ﴾ الله سبحانه وتعالى إعدامكم أيها الناس ﴿يُذْهِبْكُمْ﴾؛ أي: يعدمكم بالكلية ﴿وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾؛ أي: يخلق بدلكم خلقًا آخر من جنسكم آدميين، أو من غيره خيرًا منكم وأطوع لله
٢٠ - ﴿وَمَا ذَلِكَ﴾؛ أي: إذهابكم والإتيان بخلق جديد مكانكم ﴿عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ﴾؛ أي: بمتعذر أو متعسر، بل هو هين عليه يسير، فإنه قادر لذاته على جميع الممكنات، لا اختصاص له بمقدور دون مقدور، إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون. ومن هذا شأنه حقيق أن يؤمن به ويعبد ويرجى ثوابه ويخشى عقابه، والآية تدل على كمال قدرته تعالى وصبوريته، حيث لا يؤاخذ العصاة على العجلة.
وفي "الصحيحين": "لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله! إنه يشرك به ويجعل له الولد ثم يعافيهم ويرزقهم". ثم إن (٢) تأخير العقوبة يتضمن حكمًا، منها رجوع التائب وانقطاع حجة المصر، فعلى العاقل أن يخشى الله تعالى على كل حال، فإنه ذو القهر والكبرياء والجلال.
والمعنى: ألم (٣) تعلم أيها الرسول الكريم أن الله سبحانه وتعالى أنشأ السماوات والأرض بالحكمة البالغة وعلى الوجه الصحيح الذي يحق أن يخلقا عليه، ولم يخلقهما عبثًا ولا باطلًا، ومن قدر على خلقهما على أتم نظام وأحكم وضع بلا معين ولا ظهير.. فهو قادر على أن يفنيكم ويأتي بخلق جديد سواكم، وما ذلك بممتنع ولا متعذر عليه. ومثل الآية قوله: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٣)﴾.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.