الذي هو حقيق أن تسألوه، سواء أسألتموه أم لم تسألوه؛ لأن هذه الدنيا قد وضع الله تعالى فيها منافع يجهلها الناس، وهي معدة لهم، فلم يسأل الله أحد في الأمم الماضية أن يعطيهم الطائرات والمغناطيس والكهرباء، بل خلقها وأعطاها للناس بالتدريج، ولم يزل عجائب ستظهر لمن بعدها. ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ﴾ التي أنعم بها عليكم بسؤال وبغيره ﴿لَا تُحْصُوهَا﴾؛ أي: لا تطيقوا حصرها (١) وعدها ولو إجمالًا لكثرتها وعدم نهايتها. وفيه دليل على أن المفرد يفيد الاستغراق بالإضافة. وأصل الإحصاء أن الحساب كان إذا بلغ عقدًا معينًا من عقود الأعداد وضعت له حصاة ليحفظ بها، ثم استؤنف العدد.
والمعنى: لا توجد له غاية فتوضع له حصاة. والنعم على قسمين: نعمة المنافع؛ لصحة البدن والأمن والعافية، والتلذذ بالمطاعم والمشارب والملابس والمناكح والأموال والأولاد، ونعمة دفع المضار من الأمراض والشدائد، والفقر والبلاء، وأجل النعم استواء الخلقة، وإلهام المعرفة.
والمعنى: أي (٢) لا تطيقوا عد أنواعها فضلًا عن القيام بشكرها وفي "صحيح البخاري" أن رسول الله - ﷺ - كان يقول: "اللهم لك الحمد غير مكفي، ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا". وأثر عن الشافعي أنه قال: الحمد لله الذي لا يؤدِّي شكر نعمة من نعمه إلا بنعمة حادثة توجب على مؤديها شكره بها. وقال شاعرهم:
لَوْ كَانَ جَارِحَةٌ مِنِّي لَهَا لُغَةٌ | تُثْنِي عَلَيْكَ بِمَا أَوْلَيْتَ مِنْ حَسَنٍ |
لَكَانَ مَا زَادَ شُكْرِيْ إِذْ شَكَرْتُ بِهِ | إِلَيْكَ أبْلَغَ في الإِحْسَانِ وَالْمِنَنِ |
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.