٢ - ولمَّا (١) أخبرهم - أعني الكفار - رسول الله - ﷺ - عن أمر الله تعالى أنه قد قرب، ونهاهم عن الاستعجال.. ترددوا في الطريق التي علم بها رسول الله - ﷺ - بذلك، فأخبر أنه علم به بالوحي على ألسن رسل الله تعالى من ملائكته، فقال: ﴿يُنَزِّلُ﴾ الله سبحانه وتعالى ﴿الْمَلَائِكَةَ﴾؛ أي (٢): جبريل لأن الواحد يسمى باسم الجمع إذا كان رئيسًا تعظيمًا لشأنه ورفعًا لقدره، أو هو ومن معه من حفظة الوحي؛ لأنه قد ينزل بالوحي مع غيره حالة كونهم متلبسين ﴿بِالرُّوحِ﴾؛ أي: بالوحي الذي من جملته القرآن، على طريق الاستعارة، فإنه يحيي القلوب الميتة بالجهل، أو يقوم في الدين مقام الروح في الجسد، وقال بعضهم الباء بمعنى مع؛ أي: ينزل الملائكة مع جبريل، وقوله: ﴿مِنْ أَمْرِهِ﴾ بيان للروح الذي أريد به الوحي؛ أي: حالة كون الروح والوحي من أمره وحكمه وشرعه، أو هو متعلق بينزل، و ﴿مَنْ﴾ بمعنى الباء السببية؛ أي: بسبب أمره، وأجل إرادته؛ أي: ينزل الملائكة بالوحي من أمره ﴿عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾؛ أي: على من يصطفيه من عباده للنبوة والرسالة وتبليغ الوحي إلى الخلق، وقوله: ﴿أَنْ أَنْذِرُوا﴾ بدل من الروح؛ أي: ينزل الله سبحانه وتعالى ملائكته بالوحي من أمره على من يريد من عباده المصطفين الأخيار حالة كونهم متلبسين بأنهم أنذروا؛ أي: بأن قولوا يا ملائكتي للأنبياء: أعلموا الناس أيها الأنبياء ﴿أَنَّهُ﴾؛ أي: الشأن ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا﴾ الواحد القهار الملك الجبار ﴿فَاتَّقُونِ﴾؛ أي: فخافوا أيها الناس عقابي بالإتيان بعبادتي، والمخاطبون بالإنذار الأنبياء الذين نزلت عليهم الملائكة، والآمر هو الله تعالى، والملائكة نقلة للأمر، والإنذار التخويف من المحذور.
وتقدير هذا الكلام: (٣) أنه تعالى ينزل الملائكة على من يشاء من عبيده، ويأمر الله ذلك العبد الذي نزلت عليه الملائكة بأن يبلغ إلى سائر الخلق أن إله العالم واحد، كلفهم بمعرفة التوحيد وبالعبادة له، وبين أنهم إن فعلوا.. فازوا بخيري الدنيا والآخرة، وإن تمردوا.. وقعوا في شر الدنيا والآخرة، فبهذا

(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.
(٣) المراح.


الصفحة التالية
Icon