أهل النار في النار، ومعهم من شاء الله من أهل القبلة.. قال الكفار للمسلمين: ألم تكونوا مسلمين؟ قالوا: بلى، قالوا: فما أغنى عنكم الإِسلام وقد صرتم معنا في النار؟ قالوا: كانت لنا ذنوب فأُخذنا بها، فسمع الله ما قالوا، فأمر بمن كان في النار من أهل القبلة فأخرجوا، فلما رأى ذلك من بقي من الكفار.. قالوا: يا ليتنا كنا مسلمين، فنخرج كما خرجوا"، قال: ثم قرأ رسول الله - ﷺ -: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (١) رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (٢)﴾. قال الزجاج: إن الكافر كلما رأى حالًا من أحوال العذاب، ورأى حالًا من أحوال المسلم.. ود أن لو كان مسلمًا.
وقصارى ذلك (١): قد يتمنى الذين كفروا لو كانوا مسلمين، حينما يعاينون العذاب وقت الموت والملائكة باسطوا أيدهم، أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون، وفي الموقف حينما يرون هول العذاب، وقد انصرف المسلمون إلى الجنة، وسيقوا هم إلى النار، والمسلمون المذنبون عذبوا بذنوبهم ثم خرجوا منها، وبقي الكافرون في جهنم.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي (٢): ﴿رُبَّما﴾ مشددة، وقرأ نافع وعاصم وعبد الوارث: ﴿رُبَما﴾ مخففة، وقرأ طلحة بن مصرف وزيد بن علي: ﴿رُبَتَما﴾ بزيادة تاء، قال الفراء: أسدٌ وتميمٌ يقولون: ﴿رُبَّمَا﴾ بالتشديد، وأهل الحجاز وكثير من قيس يقولون: ﴿رُبَما﴾ بالتخفيف، وتيم الرباب يقولون: ﴿رَبَما﴾ بفتح الراء، وقيل إنما قرئت بالتخفيف لما فيها من التضعيف، والحروف المضاعفة قد تحذف نحو: (إن) و (لكن) فإنهم قد خففوها، قال الزجاج: يقولون: رُبَّ رجل جاءني، بالتشديد، ورُبَ رجل جاءني بالتخفيف، وإنما زيدت (ما) مع (ربَّ) ليليها الفعل، وقال الأخفش: أدخل (ما) مع (ربَّ) ليتكلم بالفعل بعدها، فرب (٣) للتكثر باعتبار مرات التمني، وللتقليل باعتبار أزمان الإفاقة، فأزمان إفاقتهم قليلة بالنسبة لأزمان الدهشة، وكونها للتقليل أبلغ في التهديد،

(١) المراغي.
(٢) زاد المسير والبحر المحيط.
(٣) المراح.


الصفحة التالية
Icon