شركه الذي يجعلونه شريكًا له من الباطل الذي لا يبدىء ولا يعيد، فينبغي للسالك أن يوحد الله تعالى ذاتًا وصفةً وفعلًا، وقرأ الأعمش: ﴿فتعالى﴾ بزيادة فاء، ولما احتج (١) سبحانه بخلق السموات والأرض على حدوثهما.. قال بعده: ﴿تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ فالقائلون بقدم السموات والأرض، كأنهم أثبتوا لله شريكًا في القدم، فنزَّه تعالى نفسه عن ذلك، وبين أنه لا قديم إلا هو، فالمقصود من قوله أولًا ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ إبطال قول من يقول إن الأصنام تشفع للكفار في دفع عقاب الله عنهم، والمقصود ها هنا إبطال قول من يقول: أجسام السموات والأرض قديمة، فنزه الله سبحانه وتعالى نفسه عن أن يشاركه غيره في القدم، ويقال: قبل أن يخلق الأرض كان موضع الأرض كله ماء، فاجتمع الزبد في موضع الكعبة، فصارت ربوة حمراء كهيئة التل، وكان ذلك يوم الأحد، ثم ارتفع بخار الماء كهيئة الدخان حتى انتهى إلى موضع السماء، وما بين السماء والأرض مسيرة خمس مئة عام، كما بين المشرق والمغرب، فجعل الله درّةً خضراء فخلق منها السماء، فلما كان يوم الاثنين.. خلق الشمس والقمر والنجوم، ثم بسط الأرض من تحت الربوة ﴿بِالْحَقِّ﴾؛ أي: بالحكمة والمصلحة، لا بالباطل والعبث، ونعم ما قيل:

إِنَّما الْكَوْنُ خَيَالٌ وَهْوَ حَقٌّ فِي الْحَقِيْقَهْ
٤ - ثم لما كان النوع الإنساني أشرف أنواع المخلوقات السفلية.. قدمه وخصه بالذكر، فقال: ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ﴾؛ أي: بني آدم لا غير؛ لأن أبويهم لم يخلقا من النطفة، بل خلق آدم من التراب، وحواء من الضلع الأيسر منه، ﴿مِنْ نُطْفَةٍ﴾؛ أي: من جماد يخرج من حيوان، وهو المني، فنقله أطوارًا إلى أن كملت صورته، ونفخ فيه الروح، وأخرجه من بطن أمه إلى هذه الدار، فعاش فيها ﴿فَإِذَا هُوَ﴾؛ أي: الإنسان بعد خلقه على هذه الصفة، وأتى بالفاء إشارة إلى سرعة نسيانهم ابتداء خلقهم ﴿خَصِيمٌ﴾؛ أي: بليغ الخصومة شديد الجدل، والمعنى: أنه كالمخاصم لله سبحانه في قدرته ﴿مُبِينٌ﴾؛ أي: ظاهر الخصومة واضحها،
(١) المراح.


الصفحة التالية
Icon