وخصص هذين الوقتين بالذكر لأن الأفنية تتزين بها، ويتجاوب رغاؤها في الإبل، وثغاؤها في الشاة حين الذهاب والإياب.
فيعظم أربابها في أعين الناظرين إليها، وقدم المَرَاح على السَّرَاح مع تأخرها في الوجود لأن الجمال فيها أظهر، وجلب السرور فيها أكمل، ففيها حضور بعد غيبه، وإقبال بعد إدبار، على أحسن ما يكون، إذ تكون ملأى البطون حافلة الضروع.
وفي "الخازن" (١): فإن قلت: لِمَ قدمت الإراحة على التسريح؟
قلتُ: لأن الجمال في الإراحة، وهو رجوعها إلى البيوت أكثر منها وقت التسريح؛ لأن النعم تقبل من المرعى ملأى البطون، حافلة الضروع، فيفرح أهلها بها، بخلاف تسريحها إلى المرعى، فإنها تخرج جائعة البطون ضامرة الضروع من اللبن، ثم تأخذ في التفرق والانتشار للرعي في البرية، فثبت بهذا البيان أن التجمل في الإراحة أكثر منه من التسريح، فوجب تقديمه، وقرأ عكرمة والضحاك والجحدري: ﴿حِيْنًا﴾ فيهما بالتنوين وفك الإضافة، وجعلوا الجملتين صفتين حذف منهما العائد، كقوله: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي﴾.
٧ - ﴿و﴾ هذه الأنعام ﴿تَحْمِلُ﴾ أيضًا ﴿أَثْقَالَكُمْ﴾؛ أي: أمتعتكم وأحمالكم، والمراد بها هنا الإبل خاصة، جمع ثقل بفتحتين وهو متاع المسافر ﴿إِلَى بَلَدٍ﴾ بعيدٍ غير بلدكم أيًّا ما كان، فيدخل فيه إخراج أهل مكة متاجرهم إلى اليمن ومصر والشام ﴿لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ﴾؛ أي: بالغي ذلك البلد الذي تقصدونه؛ أي: واصلين إليه بأنفسكم مجردين عن الأثقال لولا الإبل؛ لو لم تخلق الإبل فرضًا، والاستثناء في قوله (٢): ﴿إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ﴾؛ أي: إلا بتعب الأنفس، فضلًا عن استصحابها معكم؛ أي: عن أن تحملوها على ظهوركم إليه مفرغ من أعم الأشياء؛ أي: لم تكونوا بالغيه بشيء من الأشياء إلا بكلفةٍ ومشقةٍ وجهدٍ شديدٍ وعناءٍ وتعبٍ، والشقُّ نصف الشيء، والمعنى على هذا: لم تكونوا بالغيه إلا

(١) الخازن.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon