وخلاصة هذا (١): أن ثمة طرقًا تسلك للوصول إلى الله، وليس يصل إليه منها إلا الطريق الحق، وهي الطريق التي شرعها ورضيها وأمر بها، وهي طريق الإِسلام له، والإخبات إليه وحده، كما أرشد إلى ذلك بقوله: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٣٠)﴾ وما عداها فهو جائزٌ، وعلى الله بيان ذلك، ليهتدي إليه الناس، ويبتعدوا عن سواه.
ثم أخبر سبحانه: بأن الهداية والضلال بقدرته ومشيئته، فقال: ﴿وَلَوْ شَاءَ﴾ الله سبحانه وتعالى أن يهديكم إلى ما ذكر من التوحيد هدايةً موصلة إليه.. ﴿لَهَدَاكم﴾ الله سبحانه وتعالى ﴿أَجْمَعِينَ﴾؛ أي: لفعل ذلك، ولكن لم يشأ؛ لأن مشيئته متابعة للحكمة الداعية إليها، ولا حكمة في تلك المشيئة؛ أي (٢): ولو شاء سبحانه لجعلكم كالنمل والنحل في حياتكم الاجتماعية، أو جعلكم كالملائكة مفطورين على العبادة وتقوى الله، فلا تتجه نفوسكم إلى المعصية، ولا تسعى إلى الشر، ولكنه شاء أن يجعلكم تعملون أعمالكم باختياركم، وتسعون إليها بعد بحثها وفحصها من سائر وجوهها، ثم ترجحون منها ما تميل إليه نفوسكم، وما ترون فيه الفائدة لكم، كما قال عز من قائل: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (١٠)﴾؛ أي: طريق الخير والشر ﴿إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾.
والمعنى (٣): ولو شاء أن يهديكم جميعًا إلى الطريق الصحيح والمنهج الحق.. لفعل ذلك، ولكنه لم يشأ، بل اقتضت مشيئته إراءة الطريق والدلالة، وأما الإيصال إليها بالفعل فذلك يستلزم أن لا يوجد في العباد كافرٌ، ولا يستحقُّ النار من المسلمين، وقد اقتضت المشيئة الربانية أنه يكون البعض مؤمنًا، والبعض كافرًا، كما نطق بذلك القرآن في غير موضع.
فإن قلت (٤): لِمَ غير أسلوب الكلام في قوله: ﴿وَمِنْهَا جَائِرٌ﴾؟
(٢) المراغي.
(٣) الشوكاني.
(٤) البحر المحيط.