اللائح الواضح.
والمعنى: أي ينبت لكم بالماء الذي أنزله من السماء زرعكم وزيتونكم ونخيلكم وأعنابكم، ومن كل الثمرات غير ذلك أرزاقًا لكم، وأقواتًا نعمةً منه عليكم، وحجة على من كفر به، ولما ذكر الحيوانات المنتفع بها على التفصيل.. أعقبه بقوله: ﴿وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ كذلك هنا ذكر الأنواع المنتفع بها من النبات، ثم قال: ﴿وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾ تنبيهًا على أن تفصيل القول في أجناسها وأنواعها وصفاتها ومنافعها مما لا يكاد يحصر، كما أنَّ تفصيل ما خُلق من باقي الحيوان لا يكاد يحصر، وختم ذلك تعالى بقوله: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾؛ أي: إن في إنزال الماء، وإنبات ما فصل ﴿لَآيَةً﴾ عظيمة دالة على تفرده تعالى بالألوهية، لاشتماله على كمال العلم والقدرة والحكمة ﴿لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾؛ أي: لقوم يعتبرون مواعظ الله، ويتفكرون فيها، حتى تطمئن قلوبهم بها، وينبلج نور الإيمان فيها يضيء أفئدتهم، ويزكي نفوسهم، فإن (١) من تفكر في أن الحبة والنواة تقع في الأرض، وتصل إليها نداوة تنفذ فيها، فينشق أسفلها، فيخرج منه عروق تنبسط في أعماق الأرض، وينشق أعلاها إن كانت منتكسة في الوقوع ويخرج منه ساق فينمو، ويخرج منه الأوراق والأزهار والحبوب والثمار، على أجسام مختلفة الأشكال والألوان والخواص والطبائع، وعلى نواةٍ قابلةٍ لتوليد الأمثال على النمط المحرر لا إلى نهاية، مع اتحاد المواد واستواء نسبة الطبائع السفلية، والتأثيرات العلوية بالنسبة إلى الكل.. علم أن من هذه أفعاله وآثاره لا يمكن أن يشبهه شيء في شيء من صفات الكمال، فضلًا عن أن يشاركه أخس الأشياء في صفاته التي هي الألوهية، واستحقاق العبادة، تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا، والتفكر تصرف القلب في معاني الأشياء لدرك المطلوب، قالوا: الذكر طريق والفكر وسيلة المعرفة التي هي أعظم الطاعات، ولله (٢) در القائل:

تَأمَّلْ في رِياضِ الْوَرْدِ وَانْظُرْ إلى آثَارِ مَا صَنَعَ الْمَلِيْكُ
(١) روح البيان.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon