من المفسرين في تأويل قوله: ﴿تَلْبَسُونَهَا﴾ بقوله: تلبسه نساؤهم؛ لأنهن من جملتهم، أو لكونهن يلبسنها لأجلهم، وليس في الشريعة المطهرة ما يقتضي منع الرجال من التحلي باللؤلؤ والمرجان، ما لم يستعمله على صفة لا يستعمله عليها إلا النساء خاصة، فإن ذلك ممنوع من جهة كونه تشبهًا بهن، وقد ورد الشرع بمنعه، لا من جهة كونه حلية لؤلؤ أو مرجان.
﴿وَتَرَى الْفُلْكَ﴾؛ أي: وتبصر أيها المخاطب السفن حالة كونها ﴿مَوَاخِرَ﴾؛ أي: جواري ﴿فِيهِ﴾؛ أي: في البحر؛ أي: لو حضرت أيها المخاطب لرأيت السفن جواري في البحر، تجري جريًا وتشقه شقًّا بحيزومها ومقدمها، مقبلة مدبرة، من قطر إلى قطر، ومن بلد إلى آخر، ومن إقليم إلى إقليم، لجلب ما هناك إلى هنا، وما هنا إلى هناك، ومن ثم قال: ﴿وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾؛ أي: لتطلبوا فضل الله ورزقه، بركوبه للتجارة، وهذا معطوف على ﴿تستخرجوا﴾ وما بينهما اعتراض، أو معطوف على علةٍ محذوفةٍ؛ أي: لتنتفعوا بذلك، ولتطلبوا من سعة رزقه بركوبه للتجارة، فإن تجارته أربح.
﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾؛ أي (١): تعرفون حقوق نعمه الجليلة، فتقومون بأدائها بالطاعة والتوحيد، ولعل تخصيصه بتعقيب الشكر؛ لأنه أقوى في باب الإنعام، من حيث إنه جعل المهالك سببًا للانتفاع وتحصيل المعاش.
والمعنى (٢): أي ولتشكروا ربكم على ما أنعم به عليكم، إذ جعل ركوب البحر مع كونه مظنة للهلاك سببًا للانتفاع وحصول المعاش، مع عدم الحاجة إلى الحل والترحال والاستراحة والسكون، ولله در القائل:

وَإنَّا لَفِي الدُّنْيَا كَرَكْبِ سَفِيْنَةٍ نُظَنُّ وُقُوْفًا وَالزَّمَانُ بِنَا يَسْرِيْ
وفي "الشوكاني" هنا: قيل (٣): ولعل وجه تخصيص هذه النعمة بالتعقيب بالشكر، من حيث إن فيها قطعًا لمسافةٍ طويلةٍ مع أحمال ثقيلة، من غير مزاولة
(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon