"الخطيب": ولما كانت الدلالة من النجم أنفع الدلالات وأعمها، وأوضحها برًّا وبحرًا ليلًا ونهارًا.. نبه على عظمها بالالتفات إلى مقام الغيبة، لإفهام العموم، لئلا يظن أن المخاطب مخصوص، وليس كذلك فقال تعالى: ﴿وَبِالنَّجْمِ﴾؛ أي: الجنس هم؛ أي: أهل الأرض كلهم، وأولى الناس بذلك المخاطبون وهم قريش ثم العرب كلها، لفرط معرفتهم بالنجوم، وقدم الجار تنبيهًا على أن دلالة غيره بالنسبة إليه سافلة، وقيل: المراد بالنجم الثريا والفرقدان وبنات لنعش، وقيل: الضمير لقريش لأنهم كثير الأسفار للتجارة، مشهورون بالاهتداء في مسايرهم بالنجوم.
قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: تعلموا من النجوم ما تهتدون به في طرقكم وقبلتكم، ثم كفوا، وتعلموا من الأنساب ما تصلون به أرحامكم. قيل: أول من نظر في النجوم والحساب إدريس النبي - عليه السلام - قال بعض السلف: العلوم أربعة: الفقه للأديان، والطب للأبدان، والنجوم للأزمان، والنحو للسان. وفي الآية إيماء إلى أن مراعاة النجوم أصل في معرفة الأوقات والطرق والقبلة، ويحسن أن نتعلم من علم الفلك ما يفيد تلك المعرفة، قال قتادة: إنما خلق الله النجوم لثلاثة أشياء: لتكون زينةً للسماء، ومعالم للطرق، ورجومًا للشياطين، فمن قال غير ذلك، فقد تكلم بما لا علم له به.
وقرأ الجمهور (١): ﴿وَبِالنَّجْمِ﴾ بفتح النون وسكون الجيم على أنه اسم جنس، ويؤيد ذلك قراءة ابن وثاب ﴿وبالنجم﴾ بضم النون والجيم، ومراده النجوم فقصره بحذف الواو منه، أو هو جمع، كسقف وسقف، وفي "زاد المسير": وقرأ (٢) الحسن والضحاك وأبو المتوكل ويحيى بن وثاب: ﴿وبالنجم﴾ بضم النون وإسكان الجيم، وقرأ الجحدري ﴿وبالنجم﴾ بضم النون والجيم، وقرأ مجاهد: ﴿وبالنجوم﴾ بواو على الجمع.
(٢) زاد المسير.