تبصر ولا تعقل، وفائدة (١) قوله: ﴿غَيْرُ أَحْيَاءٍ﴾ بيان أن بعض ما لا حياة فيه قد تدركه الحياة بعد، كالنطفة التي ينشئها الله تعالى حيوانًا، وأجساد الحيوان التي تبعث بعد موتها، أما هذه الأصنام من الحجارة والأشجار، فلا يعقب موتها حياة، وذلك أتم في نقصها.
﴿وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾؛ أي: وما تدري هذه الأصنام التي تعبدونها من دون الله متى تبعث عبدتها، فالضمير في يشعرون للأصنام، وفي يبعثون لعبدتها، وقيل: يجوز أن يكون الضمير في يبعثون للآلهة؛ أي: وما تشعر هذه الأصنام أيان تبعث، ويؤيد ذلك ما روي أن الله يبعث الأصنام، ويخلق لها أرواحًا معها شياطينها، فيؤمر بالكل إلى النار، ويدل على هذه قوله: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ ولا يخفى ما في ذلك من التهكم بها، لأن شعور الجماد بالأمور الظاهرة بديهي الاستحالة لدى كل أحد، فكيف بما لا يعلمه إلا العليم الخبير، كما أن فيه تهكمًا بالمشركين من قبل أن آلهتهم لا يعلمون وقت بعثهم ليجازوهم على عبادتهم إياهم، وفيه تنبيه إلى أن البعث من لوازم التكليف؛ لأنه جزاء على العمل من خير أو شر، وأن معرفة وقته لا بد منه في الألوهية.
وقرأ الجمهور (٢) بالتاء من فوق في: ﴿تُسرون﴾ و ﴿تعلنون﴾ و ﴿تدعون﴾، وهي قراءة مجاهد والأعرج وشيبة وأبي جعفر وهبيرة عن عاصم، على معنى قل لهم، وقرأ عاصم في مشهوره ﴿يَدْعون﴾ بالياء من تحت، وبالتاء في السابقتين، وقرأ الأعمش وأصحاب عبد الله ﴿يَعْلَمُ الذي تُبدون وما تكتمون﴾ و ﴿تدعون﴾ بالتاء من فوق في الثلاثة، وقرأ طلحة ﴿ما يُخفون﴾ و ﴿ما يُعلنون﴾ و ﴿تدعون﴾ بالتاء من فوق، وهاتان القراءتان مخالفتان لسواد المصحف، والمشهور: ما روي عن الأعمش وغيره، فوجب حملها على التفسير لا على أنها قرآنٌ، وقرأ محمد اليمانيُّ ﴿يُدْعون﴾ بضم الياء وفتح العين مبينًا للمفعول، وقرأ أبو عبد الرحمن

(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon