﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ﴾ وربما قيل: كظمت على الغيظ، وكظمني الغيظ فأنا كظيم ومكظوم، وكظم البعير كظومًا لم يجتر، وقال الأخفش: الكظيم هو الذي يكظم غيظه ولا يظهره، وقيل: إنه المغموم الذي يطبق فاه من الغم، مأخوذ من الكظامة، وهو سد فم البئر، قاله علي بن عيسى.
﴿يَتَوَارَى﴾؛ أي: يختفي ويتغيب، وقد كان من عادتهم في الجاهلية أن يتوارى الرجل حين ظهور آثار الطلق بامرأته، فإن أخبر بذكر.. ابتهج، وإن أخبر بأنثى.. حزن وبقي متواريًا أيامًا يدبر فيها ما يصنع، ﴿هُونٍ﴾؛ أي: يحفظه ويحبسه، كقوله: ﴿أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ﴾، ﴿هُونٍ﴾ الهون الهوان والذل بلغة قريش، وحكي عن الكسائي: أنه البلاء والشدة، قالت الخنساء:
نُهِيْنُ النُّفُوْسَ وَهَوْنُ النُّفُوْسِ | يَوْمَ الْكَرِيهَةِ أبْقَى لَهَا |
﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾؛ أي: الصفة العليا، وهي أنه لا إله إلا هو، وأن له جميع صفات الجلال والكمال، ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ﴾ فاعل هنا بمعنى فعل الثلاثي؛ أي: أخذ، ﴿لَا يَسْتَأْخِرُونَ﴾؛ أي: لا يتأخرون، وصيغة الاستفعال للإشعار بعجزهم عنه مع طلبهم له، ﴿سَاعَةً﴾؛ أي: أقصر وقت، وهي مثل في قلة المدة كما مر، ﴿لَا جَرَمَ﴾: تركيب مزجي من ﴿لا﴾ و ﴿جَرَم﴾، ومعناه الفعل؛ أي: حق وثبت، ﴿وَأَنَهُم مُفْرَطُونَ﴾؛ أي: مقدمون إلى النار معجلون إليها، من أفرطته إذا قدمته في طلب الماء، أو متروكون في النار، من أفرطت فلانًا خلفي إذا خلفته ونسيته خلفك، والفارط هو الذي يتقدم إلى الماء، والفُرَّاط المتقدمون في طلب الماء، والوُرَّاد المتأخرون، ومنه - ﷺ -: "أنا فرطكم على الحوض"؛ أي: متقدَّمكم، قال القطاميُّ:
فَاسْتَعْجَلُوْنَا وَكَانُوْا مِنْ صحَابَتِنَا | كَمَا تَعجَّلَ فُرَّاطٌ لِوُرَّادِ |