﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ﴾؛ أي: فسر بأهلك، ابنتيك، أو هما وامرأتك الصالحة، على الخلاف فيه في بقيةٍ من الليل، ﴿وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ﴾؛ أي: وكن وراء أهلك الذين تسري بهم وعلى أثرهم لتذود عنهم، وتسرع بهم، وتراقب أحوالهم، حتى لا يتخلف منهم أحد لغرض فيصيبه عذاب.
﴿وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ﴾ فيرى ما ينزل بقومه فيرق قلبه لهم، وليوطن نفسه على الهجرة، ويطيب نفسًا بالانتقال إلى المسكن الجديد، ثم أكدوا هذا النهي بقولهم: ﴿وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ﴾؛ أي: واذهبوا حيث يأمركم ربكم، غير ملتفتين إلى ما ورائكم، كالذي يتحسر على مفارقة وطنه، فلا يزال يلوي له أخاديده.
والخلاصة: أنهم أمروا بمواصلة السير، ونهوا عن التواني والتوقف، ليكون ذلك أقطع للعوائق وأحق بالإسراع للوصول إلى المقصد الحقيقيّ، وهو بلاد الشام.
ثم بين العلة في الأمر بالإسراع السريع فقال: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ﴾؛ أي: وأوحينا إليه أن ذلك الأمر مقضي مبتوت فيه، ثم فصل ذلك فقال: ﴿أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ﴾؛ أي: إن آخر قومك وأولهم مجذوذ مستأصل صباح ليلتهم، ولا يبقى منهم أحدٌ، ونحو الآية: ﴿فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾
٦٧ - ثم شرع يذكر ما صدر من القوم حين علموا بقدوم الأضياف، وما ترتب عليه مما أشير إليه أولًا على سبيل الإجمال فقال: ﴿وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ﴾؛ أي؛ أهل مدينة لوط المسماة بسذوم - بسين مهملة فذال معجمة، وأخطأ (١) من قال بمهملة - وهي التي ضرب بقاضيها المثل في الجور، ومدائن قوم لوط كانت أربعًا، وقيل سبعًا، وأعظمها سذوم، وفي "درياق الذنوب" لابن الجوزي: كانت خمسين قرية؛ أي: جاء أهل مدينة سذوم إلى منزل لوط حالة كونهم ﴿يَسْتَبْشِرُونَ﴾؛ أي: يبشر (٢) بعضهم بعضًا بأضياف لوط، والاستبشار إظهار الفرح والسرور؛ أي: يظهرون الفرح والسرور بأضياف لوط طمعًا في ارتكاب الفاحشة منهم، وقالوا: نزل بلوط
(٢) الخازن.