قلت: هذا أصحُّ ما ورد في سبب نزولها، وإسناده جيد، وله شاهد.
وعن سعيد بن جبير، قال: كان النبي - ﷺ - يستلم الحجر الأسود في طوافه، فمنعته قريش، وقالوا: لا ندعك تستلم حتى تلمّ بآلهتنا، فحدّث نفسه، وقال: «ما علي أنْ أُلمّ بها بعد أن يدعوني أستلم الحجر، والله يعلم إني لها كاره»، فأبى الله ذلك، وأنزل عليه هذه الآية.
قوله تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي...﴾ الآية، سبب نزولها (١): ما أخرجه الترمذي عن ابن عباس، قال: كان النبي - ﷺ - بمكة، ثم أمر بالهجرة، فنزلت عليه: ﴿وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطانًا نَصِيرًا (٨٠)﴾، وهذا صريح في أنّ الآية مكية، وأخرجه ابن مردويه بلفظ أصرح منه.
قوله تعالى: ﴿وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ...﴾ الآية، سبب نزولها (٢): ما أخرجه البخاري عن ابن مسعود، قال: كنت أمشي مع النبي - ﷺ - بالمدينة، وهو متوكِّىء على عسيب، فمر بنفر من اليهود، فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح، وقال بعضهم: لا تسألوه، لا يجيىء فيه بشيء تكرهونه، فقال بعضهم: لنسألنّه، فقام رجل منهم فقال: يا أبا القاسم ما الروح؟ فسكت فقلت: إنه يوحى إليه، فلما انجلى عنه قال: ﴿وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (٨٥)﴾، قال الأعمش: هي كذا قراءتنا.
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قالت قريش لليهود: علمونا شيئًا نسأل عنه هذا الرجل، فقالوا: سلوهُ عن الروح، فنزلت ﴿وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (٨٥)﴾.
قالوا: نحن لم نؤت من العلم إلّا قليلًا، وقد أوتينا التوراة فيها حكم الله، ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيرًا كثيرًا، فنزلت ﴿قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِدادًا لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (١٠٩)﴾ قال الحافظ بن كثير
(٢) البخاري.