صدق، وأخرجني فأخرج مخرج صدقٍ، والإضافة إلى الصدق لأجل المبالغة نحو حاتم الجود، قال الواحدي: وإضافتهما إلى الصدق مدح لهما، وكل شيء أضفته إلى الصدق فهو مدح.
ثم سأل الله القوة بالحجة والتسلط على الأعداء فقال: ﴿وَاجْعَلْ لِي﴾ يا إلهي ﴿مِنْ لَدُنْكَ﴾؛ أي: من خزائن نصرك ورحمتك ﴿سُلْطانًا﴾؛ أي: برهانًا وقهرًا ﴿نَصِيرًا﴾ (١) ينصرني على أعداء الدين، أو ملكًا، وعزًّا ناصرًا للإسلام مظهرًا له على الكفر، فأجيبت دعوته بقوله: ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ فإن ﴿حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ﴾ ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ ﴿لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ أو المعنى: ﴿وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطانًا نَصِيرًا﴾، أي (٢): حجة ظاهرة قاهرة تنصرني بها على جميع من خالفني، وقيل: اجعل لي من لدنك ملكًا وعزًا قويًا، وكأنه - ﷺ - علم أنه لا طاقة له بهذا الأمر إلا بسلطان، فسأل سلطانًا نصيرًا.
٨١ - ثم أمره أن يخبر بالإجابة بقوله: ﴿وَقُلْ﴾ يا محمد للمشركين مهددًا لهم قد ﴿جاءَ الْحَقُّ﴾ الذي لا مرية فيه، ولا قبل لهم به، وهو ما بعثه الله به من القرآن والإيمان، والعلم النافع، ﴿وَزَهَقَ الْباطِلُ﴾ أي اضمحل باطلهم، وهلك إذ لا ثبات له مع الحق كما قال: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ﴾ ﴿إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقًا﴾؛ أي: مضمحلًا لا ثبات له في كل آن، والحق كان ثابتًا في كل آن، أخرج البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود قال: دخل النبي - ﷺ - مكة يوم الفتح، وكان حول البيت ثلاث مئة وستون صنمًا، فجعل يطعنها بعود في يده، ويقول: ﴿جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقًا﴾: - ﴿جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ﴾.
وفي رواية للطبراني، والبيهقي عن ابن عباس أنه - ﷺ - جاء، ومعه قضيب فجعل يهوي به إلى كل صنم منها، فيخر لوجهه فيقول: ﴿جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقًا﴾ حتى مر عليها كلها، وبقي صنم خزاعة فوق الكعبة، وكان

(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon