والمشمومات للشم، والحرارة والبرودة للمس فلا يتسنى لكم إدراك ما هو غير مادي كالروح.
وقال القرطبي: ﴿قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾، أي: هو أمر عظيم، وشأن كبير من أمر الله تعالى، مبهمًا له وتاركًا تفصيله، ليعرف الإنسان على القطع عجزه عن علم حقيقة نفسه، مع العلم بوجودها، وإذا كان الإنسان في معرفة نفسه هكذا، كان بعجزه عن إدراك حقيقة الحقّ تعالى أولى، وحكمة ذلك تعجيز العقل عن إدراك معرفة مخلوق مجاور له، دلالة على أنه عن إدراك خالقه أعجز، انتهى. أو المعنى ﴿قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾؛ أي: شيء من الأشياء التي استأثر الله سبحانه بعلمها، ولم يعلم بها أحدًا من عباده، وقيل: معنى ﴿مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾؛ أي: من وحيه، وكلامه لا من كلام البشر، فعلى هذا المراد بالروح المسؤول عنه القرآن، والقول الأول هو الظاهر الحق.
وفي هذه الآية (١) ما يزجر الخائضين في شأن الروح المتكلفين لبيان ماهيته، وإيضاح حقيقته أبلغ زجر، ويردعهم أعظم
ردع، وما أحسن قول أحمد بن رسلان في «زبده»:
والرُّوحُ مَا أَخْبَرَ عَنْهَا الْمُصْطَفَى | فَنُمْسِكُ المَقَالَ عَنْهَا أَدَبَا |