وقد جاء مثل هذا النهي في آيات كثيرة، كقوله: ﴿لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٣)﴾ وقوله: ﴿فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ﴾ وقوله: ﴿وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ﴾.
وخلاصة ذلك: أبلغهم رسالة ربك، فمن اهتدى فلنفسه، ومن ضلّ فإنّما يضل عليها، ولا تذهب نفسك عليهم أسًى وحسرةً، فإنما أنت منذرٌ ولست عليهم بمسيطر، إن عليك إلا البلاغ،
٧ - ثم ذكر سبحانه سبب إرشاده إلى الإعراض عنهم بغير ما يقدر عليه من التبليغ بالبشارة والنذارة، وهو أنه تعالى جعل ما على الأرض زينة لها ليختبر المحسن والمسيء، ويجازي كلًا بما يستحقّ، فقال: ﴿إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ﴾ من حيوان، ونبات، ومعادن ﴿زِينَةً لَها﴾، ولأهلها ﴿لِنَبْلُوَهُمْ﴾؛ أي: لنعاملهم معاملة من يختبر حتى يظهر ﴿أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ في ترك الدنيا، ومخالفة هوى نفسه، طلبًا لله ومرضاته؛ أي: أيهم أطوع لله، وأشدّ استمرارًا على خدمته، وأيهم أقبح عملًا في الإعراض عن الله وما عنده من الباقيات الصالحات، والإقبال على الدنيا وما فيها من الفانيات الفاسدات.
قال في «الإرشاد» (١): أي استفهامية مرفوعة بالابتداء، و ﴿أَحْسَنُ﴾ خبرها، و ﴿عَمَلًا﴾ تمييز، والجملة في محل النصب معلقة لفعل البلوى لما فيه من معنى العلم باعتبار عاقبته؛ أي: إنّا (٢) جعلنا ما على الأرض زينة لها، لنختبر حالهم في فهم مقاصد تلك الزينة، والاستدلال بها على وجود خالقها، والإخبات إليه، والطاعة له فيما أمر به، والبعد عما نهى عنه، فتقوم الحجة عليهم، فمن اعتبر بتلك الزينة، وفهم حكمتها، حاز المثوبة، ومن اجترأ على مخالفة أمره، ولم يفهم أسرارها ومقاصدها استحق العقوبة.
وخلاصة ذلك: أنّا جعلنا ما على الأرض زينةً لها، لنعاملهم معاملة من يختبرون، فنجازي المحسنين بالثواب، والمسيئين بالعقاب، ويمتاز أفراد الطبقتين بعضهم عن بعض بحسب درجات أعمالهم.
(٢) المراغي.