أمّا الفتية: فإنهم انطلقوا إلى كهف قريب من مدينتهم، أفسوس أو طرسوس، في جبل يدعى نيخايوس، وأخذوا يعبدون الله فيه حتى إذا هجم عليهم دقيانوس وقتلهم ماتوا طائعين، وقد كانوا سبعة، فلما مرّوا في الطريق إلى الكهف، تبعهم راع ومعه كلبه فجلسوا هناك يعبدون الله، وكان من بينهم امرؤ يدعى تمليخا يبتاع لهم طعامهم، وشرابهم، يبلغهم أخبار دقيانوس الذي لا يزال مجدًا في طلبهم، حتى إذا عاد من مطافه، ووصل إلى مدينتهم، بحث عن هؤلاء العباد والنساك ليذبحهم، أو يسجدوا للأصنام، فسمع بذلك تمليخا بينما كان يشتري لهم الطعام خفيةً، فأخبرهم، فبكوا ثمّ ضرب الله على آذانهم، فناموا، وتذكرهم دقيانوس، فهدد آباءهم، إن لم يحضروهم، فدلوه عليهم، وقالوا: إنّهم في الكهف، فتوجه إليهم، وسده عليهم ليموتوا هناك، وينتهي الأمر على ذلك.
وقد كان في حاشية الملك رجلان يكتمان إيمانهما، وهما: بيدروس، وروناس فكتبا قصة هؤلاء الفتية سرا في لوحين من حجر، وجعلاهما في تابوت من نحاس، وجعلا التّابوت في البنيان، ليكون ذلك عظة واعتبارًا، وذكرى لمن سيجيىء من بعد.
ثم مضت قرون يتلو بعضها بعضًا، ولم يبق لـ: دقيانوس ذكرٌ ولا أثر، وبعدئذٍ ملك البلاد ملك صالح يسمى بيدروس، دام ملكه (٦٨) سنة، وانقسم الناس في شأن البعث والقيامة فرقتين، فرقة مؤمنة به، وأخرى كافرة، فحزن الملك لذلك حزنًا شديدًا، وضرع إلى الله أن يري الناس آية يرشدهم بها إلى أن الساعة آتية لا ريب فيها، وقد خطر إذ ذاك ببال راع يسمى أولياس، أن يهدم باب الكهف، ويبني به حظيرة لغنمه، فلما هدمه استيقظوا جميعًا، فجلسوا مستبشرين، وقاموا يصلون، ثم قال بعضهم لبعض: كم لبثتم نيامًا؟ قال بعضهم: لبثنا يومًا أو بعض يوم، وقال آخرون: ﴿رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ﴾ الورق الفضة ﴿هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعامًا﴾ وليحضر لنا جانبًا منه، فذهب تمليخا، كما اعتاد من قبل ليشتري لهم الطعام، وهو متلطف


الصفحة التالية
Icon