قدرتنا ﴿عَجَبًا﴾؛ أي: آية ذات عجب وضعًا موضع المضاف، أو وصفًا لذلك بالمصدر مبالغة، والعجيب ما خرج عن حد أشكاله، ونظائره وهو خبر لكانوا، و ﴿مِنْ آياتِنا﴾ حال منه.
والمعنى (١): أن قصتهم، وإن كانت خارقة للعادات، ليست بعجيبة بالنسبة إلى سائر الآيات، فإن لله تعالى آيات عجيبة، قصتهم عندها كالنزر الحقير؛ أي: لا تحسب (٢) أيّها الرسول أنّ قصّة أصحاب الكهف والرقيم، المذكورة في الكتب السّالفة حين استمروا أحياء أمدًا طويلًا عجيبةٌ بالإضافة إلى ما جعلناه على ظهر الأرض من الزينة، فليست هي بالعجب وحدها من بين آياتنا، بل زينة الأرض وعجائبها أبدع وأعجب من قصة أصحاب الكهف، فإذا وقف علماء الأديان الأخرى لدى أمثالها، دهشين حائرين، فأنا أدعوك وأمتك إلى ما هو أعظم منها، وهو النظر في الكون وعجائبه من خلق السموات والأرض، واختلاف الليل والنهار وتسخير الشمس والقمر، والكواكب، إلى نحو أولئك من الآيات الدالة على قدرة الله، وأنه يفعل ما يشاء، لا معقب لحكمه، قال الزجاج: أعلم الله سبحانه أن قصّة أصحاب الكهف ليست بعجيبة من آيات الله؛ لأن خلق السموات والأرض وما بينهما أعجب من قصتهم.
١٠ - وقوله: ﴿إِذْ أَوَى﴾ ظرف لـ ﴿عَجَبًا﴾ أو مفعول لاذكر محذوفًا؛ أي (٣): اذكر يا محمد قصّة حين صار وأتى، وانضم، والتجأ ﴿الْفِتْيَةُ﴾ والشبان من أشراف الروم، أكرههم دقيانوس ملكهم على الشرك، فأبوا، وهربوا ﴿إِلَى الْكَهْفِ﴾ هو جيروم في جبلهم بنجلوس، واتّخذوه مأوى، والفتية جمع فتى، وهو الشاب القوي الحدث ﴿فَقالُوا﴾؛ أي: قالت الفتية في دعائهم: ﴿رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ﴾؛ أي: أعطنا من عندك، أي من خزائن رحمتك الخاصّة المكنونة عن عيون أهل المعاداة، فمن ابتدائية متعلقة بـ ﴿آتنا﴾ ﴿رَحْمَةً﴾ خاصة تستوجب المغفرة والأمن
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.