في قوله: ﴿إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ﴾ فقال: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ﴾؛ أي: نخبرك يا محمد، ونبين لك ﴿نَبَأَهُمْ﴾؛ أي: خبر أصحاب الكهف، والرقيم ﴿بِالْحَقِّ﴾ صفة لمصدر محذوف؛ أي: نقص قصًا متلبسًا بالحق والصدق، وفيه إشارة إلى أن القصاص كثيرا ما يقصون بالباطل، ويزيدون، وينقصون، ويغيرون القصّة كل واحد يعمل برأيه، موافقا لطبعه وهواه، وما يقص بالحق إلا الله تعالى، ثمّ فصّل ذلك بقوله: ﴿إِنَّهُمْ﴾؛ أي: إن أصحاب الكهف والرقيم ﴿فِتْيَةٌ﴾؛ أي: شبان أحداث ﴿آمَنُوا بِرَبِّهِمْ﴾ بالتحقيق لا بالتقليد، صفة لفتيةٌ، والجملة مستأنفة بتقدير سؤال ﴿وَزِدْناهُمْ هُدًى﴾ على ﴿هُدًى﴾ بالتثبيت على الإيمان والتوفيق للعمل الصالح، والانقطاع إلى الله، والزهد في الدنيا، وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب، وقد جرت (١) العادة أن الفتيان أقبل للحق، وأهدى للسبل من الشيوخ الذين قد عتوا، وانغمسوا في الأديان الباطلة، ومن ثمّ كان أكثر الذين استجابوا لله ورسوله - ﷺ - شبانًا، وبقي الشّيوخ على دينهم، ولم يسلم منهم إلا القليل، ونحو الآية قوله: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ (١٧)﴾، وقوله: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيمانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾، وقوله: ﴿لِيَزْدادُوا إِيمانًا مَعَ إِيمانِهِمْ﴾.
تنبيه: في أي زمان كان قصص أهل الكهف؟ رجّح ابن كثير أن قصص أهل الكهف كان قبل مجيء النصرانيّة لا بعدها، كما رواه كثير من المفسرين متبعين ما أثر عن العرب، والدليل على ذلك أنّ أحبار اليهود، كانوا يحفظون أخبارهم، ويعنون بها، فقد روي عن ابن عباس، أنّ قريشًا بعثوا إلى أحبار اليهود بالمدينة يطلبون منهم أشياء يمتحنون بها رسول الله - ﷺ - فبعثوا إليهم أن يسألوه عن خبر هؤلاء الفتية، وعن خبر ذي القرنين، وعن الروح، وفي هذا أعظم الأدلّة على أنّ ذلك كان محفوظا عند أهل الكتاب، وأنّه مقدّم على النصرانية.
١٤ - ﴿وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ﴾، أي: قوّينا قلوبهم بالصبر على هجر الأهل، والأوطان، وفراق الخلان، والأخدان، والجراءة على إظهار الحق، والرد على

(١) المراغي.


الصفحة التالية
Icon