دقيانوس الجبار، وألهمناهم قوة العزيمة، وشددنا قلوبهم بنور الإيمان، ﴿إِذْ قامُوا﴾ ظرف منصوب بربطنا؛ أي: ربطنا على قلوبهم حين قاموا بين يدي الجبار دقيانوس إذ عاتبهم على تركهم عبادة الأصنام، فإنه كان يدعو الناس إلى عبادة الطواغيت، فثبّت الله تعالى هؤلاء الفتية، حتى عصوا ذلك الجبار، وأقروا بربوبية الله تعالى، وصرحوا بالبراءة من الشركاء، ﴿فَقالُوا﴾؛ أي: قالت الفتية ﴿رَبُّنا﴾؛ أي: مالكنا، وخالقنا ﴿رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾؛ أي: رب العالم، ومالكه، وخالقه، والصنم جزء من العالم، فهو مخلوق لا يصلح للعبادة ﴿لَنْ نَدْعُوَا﴾؛ أي: لن نعبد أبدًا ﴿مِنْ دُونِهِ﴾ سبحانه وتعالى ﴿إِلهًا﴾؛ أي: معبودًا آخر لا استقلالًا، ولا اشتراكًا، والعدول عن أن يقال: (ربًا) للتنصيص على رد المخالفين حيث كانوا يسمون أصنامهم آلهة.
أي: لن ندعو من دون رب السموات والأرض إلهًا لا على طريق الاستقلال، ولا على سبيل الاشتراك، إذ لا رب غيره، ولا معبود سواه، وقد أشاروا بالجملة الأولى إلى توحيد الألوهية، والخلق، وبالجملة الثانية إلى توحيد الربوبية والعبادة، وعبدة الأصنام يقرون بتوحيد الأولى، ولا يقرون بتوحيد الثانية، بدليل قوله: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾، وقوله سبحانه حكاية عنهم: ﴿ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى﴾، وكانوا يقولون في تلبيتهم في الحج: لبّيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك.
ثم علّلوا عدم دعوتهم لغيره تعالى بقولهم: ﴿لَقَدْ قُلْنا﴾؛ أي: والله لئن عبدنا غيره تعالى لقد قلنا: ﴿إِذًا﴾؛ أي: حين عبدنا غيره قولًا ﴿شَطَطًا﴾ كذبًا وزورًا، وإذا حرف جواب وجزاء مهمل، يقدر بـ ﴿لو﴾، أي: لو دعونا من دونه إلها، والله لقد قلنا قولًا خارجًا عن حد العقول مفرطًا في الظلم.
وفي هذا: إيماء إلى أنّهم دعوا لعبادة الأصنام، وليموا على تركها،
١٥ - ثم حكى سبحانه عن أهل الكهف مقالة بعضهم لبعض فقال: ﴿هؤُلاءِ﴾ مبتدأ، وفي التعبير باسم الإشارة تحقير لهم. ﴿قَوْمُنَا﴾ عطف بيان يعنون أهل بلدهم.