هو دليل على جوابه؛ أي: إذ اعتزلتموهم اعتزالًا اعتقاديًا، فاعتزلوهم اعتزالًا جسمانيًّا، وإذا أردتم اعتزالهم فافعلوا ذلك بالالتجاء إلى الكهف، وفيه إشارةٌ إلى أن الاعتزال الاعتقادي يوجب الاعتزال الجسماني، ﴿يَنْشُرْ لَكُمْ﴾؛ أي: يبسط لكم ويوسع عليكم ﴿رَبُّكُمْ﴾؛ أي: مالك أمركم ﴿مِنْ رَحْمَتِهِ﴾؛ أي: من تفضّله، وإنعامه في الدارين ﴿وَيُهَيِّئْ لَكُمْ﴾؛ أي: يسهل لكم ﴿مِنْ أَمْرِكُمْ﴾ الذي أنتم بصدده من الفرار بالدين ﴿مِرْفَقًا﴾؛ أي: ما ترتفقون، وتنتفعون به غدًا، وجزمهم بذلك لخلوص يقينهم عن شوب الشك، وقوة وثوقهم.
أي: وإذ (١) فارقتموهم، وخالفتموهم في عبادتهم غير الله، ففارقوهم بأبدانكم، والجؤوا إلى الكهف، وأخلصوا لله العبادة في مكان تتمكنون منها بلا رقيب، ولا حسيب، وإنّكم إن فعلتم ذلك، فالله تعالى يبسط لكم الخير من رحمته في الدارين، ويسهّل لكم من أمر الفرار بدينكم، والتوجّه إليه في عبادتكم ما ترتفقون وتنتفعون به، أخرج الطبراني وابن المنذر عن ابن عباس قال: ما بعث الله نبيّا إلا وهو شابّ. وقرأ ﴿قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ ٦٠﴾، ﴿وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ﴾ ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ﴾ وقرأ (٢) أبو جعفر، والأعرج وشيبة، وحميد، وابن سعدان، ونافع، وابن عامر، وأبو بكر، في رواية الأعشى، والبرجميّ، والجعفي عنه، وأبو عمرو في رواية هارون، بفتح الميم وكسر الفاء، وهو مصدر جاء شاذّا، كالمرجع والمحيض، فإن قياسه الفتح، وقرأ ابن أبي إسحاق، وطلحة، والأعمش، وباقي السبعة بكسر الميم وفتح الفاء؛ أي: رفقًا.
١٧ - ثم بيّن سبحانه حالهم بعد أن أووا إلى الكهف، فقال: ﴿وَتَرَى الشَّمْسَ﴾ يا محمد، أو يا من يصلح للخطاب ويتأتى منه الرؤية، وليس المراد به الإخبار بوقوع الرؤية تحقيقًا بل الإنباء بكون الكهف بحيث لو رأيته ترى الشمس ﴿إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ﴾ أي تتزاور وتتنحّى وتميل بحذف إحدى التائين، من الزور بفتح الواو، وهو الميل ﴿عَنْ كَهْفِهِمْ﴾ الذي.. أووا إليه، فالإضافة لأدنى ملابسة
(٢) البحر المحيط.