ونقلب هؤلاء الفتية في حال رقدتهم بأيدي الملائكة، أو بيد القدرة ﴿ذاتَ الْيَمِينِ﴾ نصب على الظرفية؛ أي: جهة تلي أيمانهم ﴿وَذاتَ الشِّمالِ﴾؛ أي: جهة تلي شمائلهم، كيلا تأكل الأرض ما يليها من أبدانهم، على طول الزمان؛ أي: نحوّلهم في رقدتهم مرّة للجنب الأيمن، ومرّة للجنب الأيسر، كي ينال روح النّسيم جميع أبدانهم، ولا يتأثر ما يلي الأرض منها بطول المكث، والمراد بذات اليمين وذات الشمال هنا يمينهم وشمالهم أنفسهم، بخلاف ما تقدم، فإنّ المراد به يمين الكهف وشماله كما مر ﴿وَكَلْبُهُمْ﴾؛ أي: وكلب أولئك الفتية، وهو كلب راع قد تبعهم على دينهم، واسمه قطمير ﴿باسِطٌ ذِراعَيْهِ﴾ حكاية حال ماضية؛ أي: وكلبهم ملق يديه على الأرض مبسوطتين غير مقبوضتين ﴿بِالْوَصِيدِ﴾؛ أي: بموضع الباب من الكهف والذراع (١) من المرفق إلى رأس الأصبع الوسطى قال في «القاموس»: الوصيد الفناء والعتبة. انتهى قال السدي: الكهف لا يكون له عتبة، ولا باب، وإنما أراد أنّ الكلب منه موضع العتبة من البيت ﴿لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ﴾ أي: على أهل الكهف، أي: لو شاهدت يا محمد، أو أيها المخاطب في رقدتهم التي رقدوها في الكهف ﴿لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ﴾؛ أي: لأدبرت ﴿فِرارًا﴾ منهم، والفرار الهرب، وهو منصوب على المصدرية من معنى ما قبله، إذ التولية، والفرار معناهما واحد؛ أي: ولّيت توليةً، وفررت فرارًا. ﴿وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا﴾؛ أي: ولملئت (٢) نفسك حين اطّلاعك عليهم خوفًا وفزعًا، فكل من رآهم فزع منهم فزعًا شديدًا لأنّ الله سبحانه قد ألبسهم هيبة ووقارًا كي لا يصل إليهم واصل ولا تلمسهم يد لامس، حتى يبلغ الكتاب أجله، وتوقظهم من رقدتهم قدرته وسلطانه في الحين الذي أراد أن يجعلهم فيه عبرة لمن شاء من خلقه، وآية لمن أراد الاحتجاج عليهم من عباده، وليعلموا أنّ وعد الله حق، وأنّ السّاعة آتية لا ريب فيها.
وقرأ الجمهور (٣): ﴿وَنُقَلِّبُهُمْ﴾ بالنون مزيد اعتناء الله بهم، حيث أسند

(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) زاد المسير.


الصفحة التالية
Icon