سبحانه في علمه بالمبصرات والمسموعات خارج عما عليه إدراك المدركين، وأنّه يستوي في علمه الغائب والحاضر، والخفي والظاهر، والصغير والكبير، واللطيف والكثيف، وكأن أصله: ما أبصره وما أسمعه، ثم نقل إلى صيغة الأمر للإنشاء، و ﴿الباء﴾ زائدة عند سيبويه، وخالفه الأخفش، والبحث عنه مقرر في علم النحو، وسنذكر طرفًا منه في مبحث الإعراب، وقرأ عيسى ﴿أسمع به وأبصر﴾ على الخبر فعلًا ماضيًا لا على التعجب؛ أي: أبصر عباده بمعرفته، وأسمعهم، و ﴿الهاء﴾ كناية عن الله تعالى ﴿ما لَهُمْ﴾؛ أي: ما لأهل السموات والأرض، وقيل: لأهل الكهف، وقيل: لمعاصري محمد - ﷺ - من الكفار ﴿مِنْ دُونِهِ﴾ سبحانه وتعالى ﴿مِنْ وَلِيٍّ﴾ يلي أمورهم، وناصر ينصرهم، ومدبر يدبر شؤونهم، فكيف يعلمون هذه الواقعة من غير إعلامه تعالى، وفي هذا بيان لغاية قدرته، وأن الكلّ تحت قهره. ﴿وَلا يُشْرِكُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿فِي حُكْمِهِ﴾ وقضائه، أو في علم غيبه ﴿أَحَدًا﴾ من مخلوقاته، فله خاصة الخلق والأمر، لا معقّب لحكمه، وليس له وزير ولا نصير، ولا شريك، تعالى الله وتقدست أسماؤه.
أي: لا (١) يجعل الله تعالى أحدًا من الموجودات العلوية والسفلية شريكًا لذاته العلية في قضائه الأزلي إلى الأبد، لعزته وغناه، قال الإمام: المعنى أنه تعالى لما حكى أنّ لبثهم هو هذا المقدار.. أراد أنه ليس لأحد أن يقول بخلافه، انتهى.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿وَلا يُشْرِكُ﴾ بالياء على النفي، وقرأ مجاهد بالياء، والجزم قال يعقوب: لا أعرف وجهه. وقرأ ابن عامر، والحسن، وأبو رجاء وقتادة، والجحدري، وأبو حيوة، وزيد، وحميد بن الوزير، عن يعقوب، والجعفي، واللؤلؤي، عن أبي بكر، ﴿ولا تشرك﴾ بالتاء والجزم على النهي، والمعنى: ولا تشرك أيها الإنسان
٢٧ - ﴿وَاتْلُ﴾، أي: واقرأ يا محمد ﴿ما أُوحِيَ إِلَيْكَ؛﴾ أي: ما أنزل إليك ﴿مِنْ كِتابِ رَبِّكَ﴾؛ أي: من القرآن بيان للموحى

(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon