شَرْقِيًّا} مفعول به لانتبذت، باعتبار ما في ضمنه من معنى الإتيان؛ أي: مكانًا في الدار، مما يلي الشرق، والشرق: بسكون الراء المكان الذي تشرق فيه الشمس عند الطلوع، وإنما (١) خص المكان بالشرق؛ لأنهم كانوا يعظمون جهة الشرق، لأنها مطلع الأنوار. حكى معناه ابن جرير.
ومن ثمة اتخذ النصارى المشرق قبلةً، كما اتخذ اليهود المغرب قبلةً؛ لأن الميقات وإيتاء التوراة واقعان في جانب الجبل الغربي، كما قال تعالى: ﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ﴾.
والمعنى: أي (٢) واذكر يا محمد لقومك قصة مريم بنت عمران، حين اعتزلت وانفردت وتباعدت من قومها، فأتت مكانًا شرقيًا من دار خالتها إيشاع، زوجة زكريا فإن موضعها كان المسجد فإذا حاضت تحولت إلى بيت خالتها، وإذا طهرت عادت إلى المسجد، فاحتاجت يومًا إلى الاغتسال، وكان الوقت وقتا الشتاء، فجاءت إلى ناحيةٍ شرقيةٍ من الدار، وموضع مقابل للشمس؛ لأن ذلك اليوم كان شاتيًا، شديدَ البرد.
١٧ - ﴿فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ﴾؛ أي: فأرخت من أدنى مكان أهلها ﴿حِجَابًا﴾؛ أي: سترًا تتستّر به حال التطهر من الحيض؛ أي: أرخت بينها وبين أهلها حجاباً يسترها عنهم، لئلا يروها حال التطهر من الحيض، فبينما هي في مغتسلها وقد تطهرت ولبست ثوبها.. أتاها الملك في صورة آدميٍّ شابٍّ أمرد، وضيىء الوجه، جعد الشعر، وذلك قوله تعالى: ﴿فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا﴾؛ أي: إلى مريم في مغتسلها ذلك ﴿رُوحَنَا﴾؛ أي: رسولنا جبريل - عليه السلام - فإنه كان روحانيًا، فأطلق عليه الروح للطافته مثله، ولأن الدين يحيى به ﴿فَتَمَثَّلَ لَهَا﴾؛ أي: فتصور وتشبه لأجلها وانتصاب قوله: ﴿بَشَرًا﴾ على أنه مفعول به؛ أي: تشبه لأجلها آدميًا ﴿سَوِيًّا﴾؛ أي: تام الخلق، كامل البنية، لم يفقد من حسان نعوت الآدمية شيئًا،

(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon