عظيمةً كائنةً منا للناس، لما يناله منه من الهداية، والخير الكثير؛ لأن كل نبي رحمةٌ لأمته لأنه يدعوهم إلى توحيده وعبادته ﴿وَكَانَ﴾ خلقه بلا فحلٍ ﴿أَمْرًا مَقْضِيًّا﴾ قضيت به في سابق علمي، وحكمت بوقوعه لا محالة، فيمتنع خلافه، فلا فائدة في الحزن لأنه لا يبدّل ولا يغيّر ﴿مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٢٩)﴾.
٢٢ - قوله: ﴿فَحَمَلَتْهُ﴾ قبله كلام مطوي والتقدير: فلما قال لها جبريل ما قال.. استسلمت لقضاء لله، واطمأنت إلى قوله، فدنا منها فنفخ في جيب درعها - الفتحة التي في القميص من الأمام - فوصلت النفخة إلى بطنها، فحملته، قاله ابن عباس، وقيل (١): كانت النفخة في ذيلها، وقيل: في فمها، والقرآن قد أثبت النفخ فقال: ﴿فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا﴾ ولم يعين موضع النفخة، فلا نجزم بشيء من ذلك إلا بالدليل القاطع، قيل: إن وضعها كان متصلًا بهذا الحمل، من غير مضي مدة للحمل، ويدل على ذلك قوله: ﴿فَانْتَبَذَتْ﴾ أبتعدت واعتزلت وتنحت من الناس ﴿بِهِ﴾؛ أي: بالذي حملته، وهو عيسى - عليه السلام - حيث أتى بفاء التعقيب، وقيل (٢): كانت مدة العمل ثلاث ساعات، وقيل حمل في ساعة، وصور في ساعة، ووضعته في ساعة، وقيل: ستة أشهر، وقيل: سبعة أشهر، كما قاله أبو العالية، والضحاك، وعطاء، وقيل: ثمانية أشهر، ولم يعش مولود وضع لثمانية أشهر إلا عيسى، وهذه أقوال مضطربة متناقضة، كان ينبغي أن يضرب عنها صفحًا، إلا أن المفسرين ذكروها وسودوا بها الورق.
والقرآن الكريم لم يعيق مدة العمل، ولا حاجة إليها في العبرة، فنقول: إنها كانت كما يكون غيرها من النساء، إلا إذا ثبت غيره، وكذلك لا حاجة إلى تعيين سنها حينئذ، إذ لا يتعلق به كبير فائدة؛ لأنه قيل: كانت بنت أربع عشرة سنة، وقيل: بنت خمس عشرة سنة، وقيل: بنت ثلاث عشرة، وقيل: بنت اثنتي عشرة سنة، وقيل: عشر سنين: وقيل: بعد أن حاضت حيضتين. ﴿مَكَانًا قَصِيًّا﴾؛

(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon