ومن قرأ بفتح الميم ففيه الوجهان المذكوران، وكان الفراء يقول: ما خاطبها إلا الملك على القراءتين جميعًا. انتهى.
﴿أَلَّا تَحْزَنِي﴾ أن إما مفسرة للنداء؛ أي: لا تحزني يا مريم بولادة عيسى وبمكان القحط، أو لا تحزني يا أمي، أو مصدرية على حذف الباء؛ أي: بأن لا تحزني والحزن (١): غم يلحق لوقوعه من ذوات نافع، أو حصول ضار ﴿قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ﴾ المحسن إليك ﴿تَحْتَكِ﴾؛ أي في مكان أسفل منك، أو قريب منك، أو تحت ذيلك ﴿سَرِيًّا﴾؛ أي: نهرًا صغيرًا، أو غلامًا رفيع الشأن، سامي القدر، ذا سخاء في مروءةٍ.
قال جمهور المفسرين (٢): السري: النهر الصغير، والمعنى قد جعل ربك تحت قدمك نهرًا، قيل: كان نهرًا قد انقطع عنه الماء فأرسل الله فيه الماء لمريم، وأحيا به ذلك الجذع اليابس، الذي اعتمدت عليه، حتى أورق وأثمر، وقيل: المراد بالسريّ هنا عيسى، والسريّ العظيمُ من الرجال، ومنه قولهم: فلان سريّ؛ أي: عظيم، ومن قومٍ سراةٍ؛ أي: عظام.
والمعنى على قراءة ﴿مِنْ﴾ الجازَة: فناداها (٣) جبريل من مكان أسفل منها تحت الأكمة؛ أي: لا تحزني يا مريم على ولادة عيسى، قد جعل ربك بمكان أسفل منك، أو قريبًا منك، نهرًا صغيرًا، أو إنسانًا شريفًا جليلًا، ويدل على ذلك قراءة من قرأ: ﴿فناداها ملك من تحتها﴾ أو ناداها المولود كائنًا من تحت ذيلها؛ أي: لا تحزني يا أمي قد جعل ربك تحتك جدولًا يجري، ويمسك بأمرك، أو نبيًا مرتفعَ القدر، وعلى قراءة: ﴿مَنْ﴾ الموصولة فناداها عيسى الذي كان تحت ذيلها؛ أي: لا تحزني قد جعل ربك تحتك رئيسًا عزيزًا، لا يكاد يوجد له نظير، أو جدولًا بضرب جبريل الأرض برجله، أو فناداها جبريل من تحتها يقبل الولد كالقابلة، أو من تحت النخلة، بأن لا تحزني قد جعل ربك قربك عين ماء عذب،

(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراح.


الصفحة التالية
Icon