تعظيمًا لشأنك، فإن الله تعالى أرسل جبريل إليها ليناديها بهذه الكلمات، كما أرسل إليها في أول الأمر، ليكون ذلك تذكيرًا لها ما تقدم من أصناف البشارات.
أو يقال: إن الله تعالى أنطق عيسى لها حين وضعته، تطييبًا لقلبها، وإزالةً للوحشة عنها، حتى تشاهد في أول الأمر ما بشرها به جبريل، من علو شأن ذلك المولود، كما قال الحسن بن علي - رضي الله عنهما -: إن عيسى - عليه السلام - لو لم يكن كلمها لما علمت أنه ينطق، فما كانت تشير إلى عيسى بالكلام.
٢٥ - ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ﴾؛ أي: حركي وأميلي ﴿إِلَيْكِ﴾؛ أي: إلى جهتك يا مريم ﴿بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾، أي: جذع النخلة، فالباء صلة للتأكيد، كقوله تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾؛ أي: حركي أصل النخلة تحريكًا عنيفًا إلى جهتك ﴿تُسَاقِطْ عَلَيْكِ﴾؛ أي: تسقط النخلة ﴿عَلَيْكِ﴾ إسقاطًا متواترًا بحسب تواتر الهز.
﴿رُطَبًا﴾؛ أي: بسرًا ناضجًا ﴿جَنِيًّا﴾؛ أي: صالحًا للأجناء، والجني فعيل بمعنى مفعول؛ أي: رطبًا مجنيًا؛ أي: صالحًا للاجتناء، قد بلغ الغاية، قال الربيع بن خيثم: ما للنفساء عندي خير من الرطب، ولا للمريض خير من العسل.
والمعنى: أي (١) أميلي إليك جذع النخلة واجذبيه بتحريكه، يسقط عليك رطبًا جنيًا تأكلين منه ما تشائين، وتلك آية أخرى لها، روي أنها كانت نخلةً يابسةً لا رأس لها ولا ثمر، وكان الوقت شتاءً، فأنزل الله لها رزقًا، فجعل للنخلة رأسًا وخوصًا، وجعل لها ثمرًا رطبًا، وهذه رواية يعوزها الدليل.
وفي هذا إيماءٌ وتنبيه إلى أن من يقدر أن يثمر النخلة اليابسة في الشتاء، يقدر أن يجعلها تحمل من غير السنن العادية، وإلى أن السعي في الرزق مطلوب، ولا ينافي التوكل، ولله درّ القائل:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَوْحَى لِمَرْيَمِ | وَهُزِّيْ إِلَيْكِ الْجِذع يُسَاقِطِ الرُّطَبْ |
وَلَوْ شَاءَ أحْنَى الْجِذْعَ مِنْ غَيْرِ هَزِّهِ | إِلَيْهَا وَلَكِنْ كُلُّ شَيْءٍ لَهُ سَبَبْ |