المسيح، ومشركو العرب عبدوا الأوثان، وعبارة أبي حيان هنا: مناسبة (١) هذه الآية لما قبلها: أنه تعالى لما ذكر قصة مريم وابنها عيسى، واختلاف الأحزاب فيهما وعبادتهما من دون الله، وكانا من قبيل من قامت بهما الحياة.. ذكر الفريق الضال الذي عبد جمادًا، والفريقان وإن اشتركا في الضلال، فالفريق العابد الجماد منهما أضل، ثم ذكر قصة إبراهيم عليه السلام مع أبيه، تذكيرًا للعرب بما كان إبراهيم عليه من توحيد الله تعالى، وتبيين أنهم سالكوا غير طريقه، وفيه صدق رسول الله - ﷺ - فيما أخبر به، وأن ذلك متلقى بالوحي.
التفسير وأوجه القراءة
٢٧ - ولما اطمأنت مريم بما رأت من الآيات، وفرغت من نفاسها.. جاءت قومها مع ولدها، راجعة إليهم عندما طهرت من نفاسها، ومضى لها أربعون يومًا، كما قال سبحانه ﴿فَأَتَتْ﴾؛ أي: جاءت مريم ﴿بِهِ﴾؛ أي: مع ولدها عيسى، فالباء بمعنى مع، وجعلها الكاشفي للتعدية ﴿قَوْمَهَا﴾؛ أي: أهلها من المكان القصي الذي اعتزلت فيه للوضع، قيس: في يوم الوضع، وقيل: بعد أربعين يومًا كما سيأتي، وجملة قوله: ﴿تَحْمِلُهُ﴾: في محل النصب حال من فاعل ﴿أتت﴾؛ أي: حالة كونها حاملةً له؛ أي: فجاءتهم مع ولدها عيسى حاملةً له، وهو ابن أربعين يومًا، روي (٢) عن ابن عباس أن يوسف انتهى بمريم إلى غار، فأدخلها فيه أربعين يومًا، حتى طهرت من النفاس، ثم حملته إلى قومها فكلمها عيسى في الطريق، فقال: يا أمّاه أبشري فإني عبد الله ومسيحه، فلما دخلت على أهلها ومعها الصبي.. بكوا وحزنوا، وكانوا أهل بيتٍ صالحين.
وروي عن ابن عباس أيضًا (٣): أنها خرجت من عندهم حين شرقت الشمس، وجاءتهم عند الظهر ومعها الولد، والله أعلم.
وروي: أنّ زكريا افتقد مريم فلم يجدها في محرابها، فاغتم غمًا شديدًا

(١) البحر المحيط.
(٢) المراح.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon